عنوان الفتوى : حكم الشرع فيمن قتل مسلمة لردتها وزواجها من كافر
شاب قتل ابنة أخته بسبب أنها تزوجت بنفسها بكافر غير مسلم، وهذا الشاب دعاها وزوجها إلى الإسلام وأنكرت أن تعود إلى الإسلام، فقتلها الشاب ثم دخل السجن لمدة ثم خرج من السجن بعد المحكمة بعدم الشهادة على قتله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر، ولا يجوز لها البقاء في عصمته؛ لقوله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ {البقرة:221} وقوله: لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة:10}
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم، ولا يتزوج الكافر المسلمة. انتهى
وقال الكاساني في كتابه بدائع الصنائع: فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر؛ لقوله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ. ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر، لأن الزوج يدعوها إلى دينه، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين، وإليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار، لأن الكفر يوجب النار، فكان نكاح الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى الحرام، فكان حراماً. انتهى
وعلى ولي المتزوجة بالكافر أن يسعى بكل الوسائل لنزعها من هذا الكافر، فليناصحها حتى يقنعها بمفارقته، وإلا فإن كان في بلد مسلم يحكم بالشريعة فعليه أن يرفع أمرها إلى القضاء، وإن كان في بلد لا يحكم بالشريعة فيلزمه نصحها وتذكيرها حتى تقلع عن هذه العلاقة الآثمة.
ولا يجوز له قتلها لأن تغيير المنكر بالقتل لا يكون لآحاد الناس، بل لمن له السلطة والولاية؛ لأن ذلك قد يحدث من الفتنة أعظم من المنكر الذي ترجى إزالته، ولأن الحد يحتاج في إثباته وإقامته إلى اجتهاد وعلم شرعي حتى يعلم متى يثبت ومتى ينتفى وما هي شروطه.
وما دام الأمر حصل فعلا فإنه قد أخطأ القاتل، ويختلف الأمر في حكمه بحسب دين أخته وحال بكارتها وثيوبتها، فإن كان معنى قول السائل أنكرت أن تعود للاسلام يعني به أنها ارتدت عن الإسلام وأبت العود اليه أو كانت ثيبا وتزوجت كافرا، فإن الأخ أخطأ بقتله لها لأن قتل المرتد والزاني المحصن لا يقيمه أفراد الناس، ولكنه لا يقتص منه؛ لأنها غير معصومة الدم، فقد ذكر الفقهاء أنه لا يقتص من الجانى إلا بتحقق أربعة شروط كونه مكلفا والمقتول معصوم الدم، وأن يكون المجنى عليه مساويا للجانى في الدين والحرية، ولكنه يحق للسلطان ان يؤدبه ويعزره على افتياته.
وأما إن كانت لم ترتد عن الإسلام وكانت بكرا، فان قتلها يسوغ القصاص ممن قتلها، فيمكن لأوليائها مطالبة السلطات بذلك، واذا لم يطبق ذلك عليه، فعليه أن يتوب توبة صادقة، ويستسمح الحي من أصحاب الحقوق، ويكثر الدعاء للمقتولة. ونرجو الله تعالى ان يقبل توبته، ويغفر له ويسامحه في الآخرة.
فقد قال الله تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا { الفرقان:70،68}