عنوان الفتوى : النقل والحس يقضيان ببطلان نظرية دارون
أنا طالب سنة أولى في علم الأحياء. من مجمل ما درسته نظرية داروين. أعلم موقف الإسلام منها. ولكن المحير في الأمر أن العلم يكاد يكون شبه ثابت لدعمها. أضف أن لا بديل من الناحية العلمية لتفسير أصول الأنواع. والغريب أني قرأت في أحد المواقع عن بعض الآيات الكريمة التي قد تدعم هذه النظرية كالآية الأولى من سورة الإنسان. والآية {وقد خلقكم أطوارا}. سؤالي هو: هل من المنطق أن يختلف ديننا الحنيف مع النظريات العلمية المبنية على الحقائق والعقل؟ أعتذر عن الإطالة. وادعوا الله أن يرزقنا الهداية وحسن الخاتمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه على أنه لا تعارض بين نصوص القرآن والسنة الصحيحة وبين الحقائق العلمية الثابتة ، فإنه من المستحيل أن يتعارض نص شرعي قطعي الدلالة مع حقيقة علمية، لأن الوحي حق، والحقيقة العلمية حق، وكلاهما مصدرهما واحد وهو الحق تبارك وتعالى القائل: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين {الأعراف:54}، وكذلك لا يمكن أن يحدث تعارض بين الأمور العقلية والنصوص القطعية، وإن وقع ما ظاهره ذلك، فإنما يحدث لخلل في فهم المكلف، إما أنه ظن أن الدليل قطعي الدلالة وهو بخلاف ذلك، وإما أن يظن أن النظرية قطعية وهي في الحقيقة بخلاف ذلك.
أما بخصوص نظرية دارون فإنها نظرية باطلة فاسدة يجتمع على إبطالها النقل والحس. وقولك إن العلم الحديث يكاد يكون مؤيدا لها قول غير صحيح، فإن علماء الغرب غير المسلمين قد أثبتوا بطلانها وزيفها، وقد بينا أقوالهم في الفتوى رقم: 4755 وبينا في الفتوى ذاتها مناقضتها لصريح القرآن الكريم.
وما ذكرته من حديث بعض المواقع الالكترونية عن تأييد القرآن الكريم لهذه النظرية الزائفة فهو كلام باطل، ومن التقول عليه بغير علم. وبيان ذلك فيما يلي:
أولا : قوله سبحانه في أول سورة الدهر: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان : 1 – 3}
ليس فيها ما يدل على ذلك من قريب ولا بعيد بل تفسير هذه الآية هو ما أجمله السعدي رحمه الله في تفسيره حيث قال: ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها. فذكر أنه مر عليه دهر طويل وهو الذي قبل وجوده، وهو معدوم بل ليس مذكورا.
ثم لما أراد الله تعالى خلقه، خلق [أباه] آدم من طين، ثم جعل نسله متسلسلا {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } أي: ماء مهين مستقذر { نَبْتَلِيهِ } بذلك لنعلم هل يرى حاله الأولى ويتفطن لها أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله ، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع والبصر، وسائر الأعضاء، فأتمها له وجعلها سالمة يتمكن بها من تحصيل مقاصده. ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب ، وهداه الطريق الموصلة إلى الله ، ورغبه فيها، وأخبره بما له عند الوصول إلى الله. ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك، ورهبه منها، وأخبره بما له إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه، أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية، فردها، وكفر بربه، وسلك الطريق الموصلة إلى الهلاك. انتهى.
ثانيا: أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا. {نوح : 14} فهي إشارة إلى ما تضمنه خلق الإنسان من مراحل مختلفة، سواء في بطن أمه من كونه نطفة وعلقة ومضغة وغير ذلك، أو بعد خروجه من بطن أمه من كونه رضيعا ثم صبيا ثم شابا ثم شيخا ونحو ذلك، أو ما يشمل كل هذا.
وفي ذلك يقول الألوسي رحمه الله: وهو أنكم تعلمون أنه عز وجل خلقكم مدرجاً لكم في حالات عناصر ثم أغذية ثم أخلاطاً ثم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ولحوماً ثم خلقاً آخر" انتهى.
ويقول بعد ذلك "وحملها ( هذه الآية ) على ما سمعت من الأحوال مما ذهب إليه جمع وعن ابن عباس ومجاهد ما يقتضيه، وإن اقتصرا على ذكر النطفة والعلقة والمضغة، وقيل المراد بها الأحوال المختلفة بعد الولادة إلى الموت من الصبا والشباب والكهولة والشيوخة والقوة والضعف، وقيل من الألوان والهيآت والأخلاق والملل المختلفة، وقيل من الصحة والسقم وكمال الأعضاء ونقصانها والغنى والفقر ونحو هذا " انتهى.
والله أعلم.