عنوان الفتوى : حكم تشبيه الروائي في ذكره للأشخاص والأحداث بالله تعالى في خلقه وتدبيره
أنا طالبة جامعية تخصص أدب عربي، ونحن الآن في فترة امتحانات، وكان سؤال إحدى المواد التي ندرسها في مادة تحليل الخطاب عن السارد ـ الراوي ـ خصائصه وأثره في عملية السرد، فكان أن وقعت في جوابي زلة أخشى أن تصبح كبيرة الشرك، حيث شبهت السارد بالرب في صنعه للأحداث والشخصيات في القصة، وإن لم أقصدها، ولم تكن نيتي أن أشبهه بالله عز وجل ـ وحاشا أن يكون كذلك ـ وأنا الآن محتارة وخائفة جدا من عقاب الله وغضبه، وأخشى أنني وقعت في الشرك دون وعي مني، فأفتوني هل وقعت في الشرك فعلا؟ وإن كان ذلك فكيف أتوب؟ مع العلم أنني أستغفر في كل الأوقات ربي أن يصفح عني، فأجيبوني عاجلا لا آجلا حتى يهنأ قلبي ويرتاح ضميري أرجوكم، وتقبل الله عملكم الصالح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في بطلان تشبيه الروائي في سرده لأحداث قصته واختياره لشخصياتها بالرب تبارك وتعالى، الذي أوجد من العدم، وأسبغ النعم، وقضى وقدَّر، ورزق ودبَّر، وما الروائي وروايته إلا من خلق الله تعالى وإيجاده، قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96}.
فمن البهتان والهذيان تشبيه المخلوق بالخالق جل وعلا: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {النحل: 17}،
ومن التشبيه ما يكون كفرا إذا كان على سبيل التسوية، أو كان في شيء من خصائص الرب تبارك وتعالى، قال المقريزي في تجريد التوحيد: حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق، أما الخالق فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وهي التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، سوى بين التراب ورب الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا. اهـ.
وذكر مثل ذلك الشيخ: عبد اللطيف آل الشيخ في منهاج التأسيس والتقديس.
وقال والده: الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ في فتح المجيد في شرح حديث حذيفة رفعه: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان ـ قال: وذلك لأن المعطوف بالواو يكون مساويا للمعطوف عليه، لكونها إنما وضعت لمطلق الجمع، فلا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا، وتسوية المخلوق بالخالق شرك، إن كان في الأصغر- مثل هذا- فهو أصغر، وإن كان في الأكبر فهو أكبر، كما قال الله تعالى عنهم في الدار الآخرة: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. هـ.
فالمقصود أن على السائلة أن تحذر من هذا المسلك، وبما أنها لم تقصد التسوية بين الله تعالى وبين الروائي، وإنما وقعت في زلة وفي سوء تعبير، فعليها أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه ولا تعد لمثله، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}
والله أعلم.