عنوان الفتوى : هل يلزم الشريك زكاة عروض التجارة وإن كان نصيبه بمفرده لا يبلغ نصابا

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

شاركت مع صديق لي في مشروع تجاري منذ أقل من عام بمبلغ 12 ألف جنيه مصري لكل منا تكلفت تجهيزات المحل 4 آلاف جنيه . وكانت البضاعة بقيمة 20 ألف جنيه . وكنا نخرج شهريا خمسين جنيها للفقراء . علما بأن قيمة البضاعة حاليا وصلت حوالي 24 ألف جنيه . وسعر جرام الذهب الآن في مصر 169 جنيه . فهل علينا إخراج زكاة وما هي قيمتها؟ وهل يتم حسابها على قيمة مشاركتي في المشروع أم على قيمة المشروع ككل؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.


أولا :
تجب الزكاة في عروض التجارة ، وهي ما يعدّ للبيع ، إذا قوّمت وبلغت نصابا ، وحال الحول على المال الذي اشتُريت به ، ولا تجب الزكاة في الأصول الثابتة التي لا تعد للبيع ، كتجهيزات المحل ، ونحوها .
والأصل في زكاة التجارة : ما روى أبو داود (1562) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ .
وتبين بذلك أنه يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة شرطان :
الأول : أن تبلغ نصابا ، بعد تقويمها ، والنصاب ما يعادل 85 جرما من الذهب ، أو 595 جراما من الفضة ، فإذا كان جرام الذهب يساوي 169 جنيها ، فالنصاب هو 14365 ، لكن بالنظر إلى انخفاض سعر الفضة فإن النصاب قد لا يتجاوز 2100 جنيه ، وقد سبق في جواب السؤال رقم (64)ورقم (2795)أنه يعتمد في تحديد النصاب ما هو أحظ للفقراء ، والأحظ هنا هو التقدير بالفضة لا بالذهب .
والثاني : أن يحول الحول على المال الذي اشتريت به البضاعة . فالحول يبدأ من امتلاك هذا المال ، وليس من شراء البضاعة .
ثانيا :
طريقة إخراج الزكاة : أن يتم جرد البضاعة عند حولان الحول ، وتقويمها بالسعر الذي تباع به ، ثم يخرج من ذلك ربع العشر ، وهو 2.5% ، فلو فرض أن قيمتها بلغت 24 ألفا ، فزكاتها 600 جنيه .
وينظر للفائدة : سؤال رقم (32715)ورقم (26236)
ثالثا :
إذا كانت الشركة بينكما على النصف ، وكانت قيمة البضاعة عند حولان الحول 24 ألفا ، فإن نصيبك منها هو 12 ألفا ، وهذا يتجاوز النصاب - على التقدير بالفضة - بمراحل ، وعليه فتلزمكما الزكاة لأن كلا منكما يملك نصابا .
وأما على التقدير بالذهب فإن نصيبك - وهو 12 ألفا- لا يبلغ النصاب ، وحينئذ ففي وجوب الزكاة خلاف بين الفقهاء ، لاختلافهم في (الخُلطة) هل تؤثر في غير بهيمة الأنعام ، ونحن نورد المسألة هنا للفائدة :
فمن ذهب إلى أن الخلطة تؤثر في غير بهيمة الأنعام - كما هو مذهب الشافعية وأحمد في رواية - أوجب الزكاة بالنظر إلى أن مجموع مال الشريكين يبلغ النصاب ، ومن قال : إن الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام ، وهم الجمهور ، لم يوجبوا الزكاة على الشريكين في الذهب والفضة والنقود إذا كان نصيب كل منهما لا يبلغ نصابا بمفرده .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإن اختلطوا في غير هذا , أُخذ من كل واحد منهم على انفراده , إذا كان ما يخصه تجب فيه الزكاة " ومعناه أنهم إذا اختلطوا في غير السائمة , كالذهب والفضة وعروض التجارة والزروع والثمار , لم تؤثر خلطتهم شيئا , وكان حكمهم حكم المنفردين . وهذا قول أكثر أهل العلم . وعن أحمد رواية أخرى , أن شركة الأعيان تؤثر في غير الماشية , فإذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه , فعليهم الزكاة . وهذا قول إسحاق والأوزاعي في الحب والثمر . والمذهب الأول .
قال أبو عبد الله : "الأوزاعي يقول في الزرع , إذا كانوا شركاء فخرج لهم خمسة أوسق , يقول : فيه الزكاة . قاسه على الغنم , ولا يعجبني قول الأوزاعي ".
ثم قال : " والصحيح أن الخلطة لا تؤثر في غير الماشية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : والخليطان ما اشتركا في الحوض والفحل والراعي . فدل على أن ما لم يوجد فيه ذلك لا يكون خلطة مؤثرة , وقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يجمع بين متفرق , خشية الصدقة . إنما يكون في الماشية ; لأن الزكاة تقل بجمعها تارة , وتكثر أخرى , وسائر الأموال تجب فيها فيما زاد على النصاب بحسابه , فلا أثر لجمعها , ولأن الخلطة في الماشية تؤثر في النفع تارة , وفي الضرر أخرى , ولو اعتبرناها في غير الماشية أثرت ضررا محضا برب المال , فلا يجوز اعتبارها " انتهى من "المغني" (2/ 254).
وقال النووي رحمه الله : " قال أصحابنا : هل تؤثر الخلطة في غير الماشية ؟ وهي الثمار والزروع والنقدان وعروض التجارة , فيها القولان : اللذان ذكرهما المصنف بدليليهما ، القديم ) : لا تثبت . والجديد الصحيح : تثبت " انتهى من "المجموع" (5/ 429).
وينظر : الموسوعة الفقهية (19/ 228).

وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي فيما قرره في زكاة أسهم الشركات بقول الشافعية .
جاء في قرار المجمع " تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله ، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة ، ومن حيث النصاب ، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي ، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال ".
وينظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم (21574)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: والخُلطة تصير المالين كالواحد الخلطة: بضم الخاء أي: الاختلاط يصير المالين كالواحد.
وظاهر كلام المؤلف: العموم وليس كذلك، وإنما مراده الخلطة في بهيمة الأنعام فقط، هذا هو المشهور من المذهب، وهو القول الأول في المسألة.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الخلطة في الأموال الظاهرة تصير المالين كالمال الواحد عموما واستدلوا لذلك، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لأخذ الزكاة من أهل الثمار، ولا يسألون؛ مع أن الاشتراك وارد فيها.
فعلى هذا القول الخلطة في بهيمة الأنعام تجعل المالين كالواحد ".
ثم قال : " الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام.
مثاله: لو كان لدينا مزرعة ونحن عشرة، لكل واحد منا عشرها، وهي خمسة أنصبة فقط فلا زكاة فيها؛ لأن كل واحد منا ليس له إلا نصف نصاب.
مثال آخر: رجلان اشتركا في تجارة، وكان مالهما نصابا، فليس عليهما زكاة؛ لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب، فلا زكاة عليهما مع أنهما يتاجران في الدكان؛ لأنه لا خلطة إلا في بهيمة الأنعام وفي غير بهيمة الأنعام لا تؤثر الخلطة " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 62- 66).
ورجح رحمه الله في "شرح الكافي" القول بتأثير الخلطة في غير بهيمة الأنعام ، قال : " والرواية الثانية عن أحمد رحمه الله أن خلطة الأعيان مؤثرة ، وهذا القول هو الراجح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال لأخذ الزكاة من الثمار ، ومعلوم أنه لا تخلو من الشركة لو لم يكن منها إلا أن المساقي وصاحب الأصل شريكان ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مما بلغ النصاب ولا يسأل هل له مشارك أو لا؟ فالصواب أن الخلطة مؤثرة في خلطة الأعيان " انتهى .
والمقصود بخلطة الأعيان ألا يتميز مال أحد الشريكين عن الآخر ، كأن يرثا مالا ، ويبقياه دون قسمة ، أو يشتريا بضاعة بمالهما المشترك .
ويقابل ذلك : خلطة الأوصاف أو الجوار ، كأن يكون لكل واحد منهما بضاعته المتميزة وإن بيعتا في دكان واحد .
وحاصل ما تقدم : أن كون الخُلطة في غير بهيمة الأنعام تؤثر في الزكاة ، محل خلاف بين الفقهاء ، وجمهورهم على أنها لا تؤثر ، فلا تجب الزكاة على الشريك في الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما لم تبلغ حصته نصابا : والقول الآخر : أن الخلطة مؤثرة ، إذا كانت خلطة أعيان ، فيصير بهما المال المشترك مالا واحدا ، فإن بلغ بمجموعه نصابا ، وجبت فيه الزكاة ، والعمل بهذا القول أحوط .
وقد تقدم أن تحديد النصاب في النقود وعروض التجارة يراعى فيه الأحظ للفقراء ، والأحظ هو تقديره بالفضة لا بالذهب ، وعليه فالزكاة واجبة عليكما .
والله أعلم .