عنوان الفتوى : من آثار الخلل في فهم قدرة الله تعالى وما يتعلق بها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لدي سؤال عن صفات الله ، وأنا أعيش فى بيئة يعتقد فيها الناس أن لله قدرة على الدخول والعيش فى مخلوقاته ! وهم يستدلون بنزول الله للسماء الدنيا لإثبات ادعائهم هذا ، فأرجو أن تقوموا بتوضيح الأمر .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولاً :
هذا الذي تنقله أيها السائل الكريم هو اعتقاد فاسد ، اعتقده أولئك القوم نتيجة جهلهم بحقيقة قدرة الله تعالى ، واستدلالهم بنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا على ما يقولونه سببه جهلهم بصفة النزول لله تعالى، ومن قبل جهلهم بربهم تعالى وما يستحقه من صفات الجلال والإكرام.
وبيان ذلك : أن قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات لذاتها ؛ ولكنها تتعلق بالممكنات - أو بالجائزات .
ومثال المستحيلات التي لا تتعلق بها قدرة الله : اتخاذ الشريك ، والصاحبة ، والولد ؛ لأن إيجادها نقص لا يليق بالله عز وجل ، قال تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الأنعام/ 101 .
فالذي يقوله أهل السنَّة أن قدرته تعالى لا تتعلق بها ؛ كمالاً له تعالى ؛ لأنها نقص لا يليق بالرب عز وجل ، فكيف يكون ربّاً متفرداً أحداً صمداً ثم يكون معه شريك ؟!
وكيف يكون ربّاً وهو يحتاج لزوجة وولد ؟!
ومثله يقال فيما ذكره السائل عن أولئك الجهلة من اعتقادهم أن قدرة الله تتعلق بما ذكروه من مستحيل ، وهو أن يكون الله – عياذاً به – داخلَ شيء من مخلوقاته ، وهذا من النقص الذي يُنزَّه الرب تعالى عنه ، فهو – عز وجل – فوق مخلوقاته بائن منهم ، مستوٍ على عرشه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" ولا ريب أن الله على كل شيء قدير ، كما نطق به القرآن في غير موضع ... لكن الممتنع لذاته : ليس شيئاً باتفاق العقلاء ، فلا يعقل وجوده في الخارج ، فإنه لا يعقل في الخارج كون الشيء موجوداً معدوماً ، أو متحركاً ساكناً أو كون أجزاء الحركة المتعاقبة مقترنة في آنٍ واحد ، أو كون اليوم موجوداً مع أمس وغدًا وأمثال ذلك .
وحينئذ فمثل هذا لا يدخل في عموم الكتاب ".
انتهى من " الصفدية " (2/109).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" المستحيل ليس بشيء فضلاً عن أن يكون مقدوراً عليه ، لكن المستحيل الذي يُتَصَوَّرُ ذهناً أنه مستحيل :
1- مستحيلٌ لذاته .
2- ومستحيل لغيره .
أما المستحيل لذاته : فهو مستحيل لا يمكن ، لو أن أحداً أراد أن يقول : هل الله قادر على أن يخلق مثله ؟
لقلنا : هذا مستحيل ، لكن الله قادر على أن يخلق خلقاً أعظم من الخلق الذي نعلمه الآن ، ونحن نعلم الآن أن أعظم مخلوقٍ نعلمه هو العرش ، العرش أعظم من كل شيء من المخلوقات التي نعلمها ، ومع ذلك نعلم أن الله قادر على أن يخلق أعظم من العرش ، لكن الشيء المستحيل لذاته هذا غير ممكن
الشيء الثاني : المستحيل لغيره ، بمعنى أن الله تعالى أجرى هذا الشيء على هذه العادة المستمرة التي يستحيل أن تنخرم ، ولكن الله قادر على أن يخرمها .
هذا نقول : إن القدرة تتعلق به ، فيمكن للشيء الذي نرى أنه مستحيل بحسب العادة أن يكون جائزاً واقعاً بحسب القدرة ، وهذا الشيء كثير كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب مستحيل لغيره ، انشقاق القمر للرسول عليه الصلاة والسلام مستحيل لغيره لكن لذاته غير مستحيل ؛ لأنه وقع والله قادر على أن يشق القمر نصفين ، بل قادر على أن يشق الشمس نصفين .
ونحن نقول : لا بد في ذلك من التفصيل : وهو أن المستحيل لذاته لا تتعلق به القدرة ؛ لأنه ليس بموجود ، ولا يمكن أن يوجد ولا يفرضه الذهن" انتهى من " شرح العقيدة السفارينية " ( ص 192) .

ثانياً :
وأما خطؤهم المتعلق بنزول الرب تبارك وتعالى : فهو ظنهم أن نزول الله تعالى كنزول المخلوقين ، فلما وقع في قلوبهم التشبيه ظنوا ما يلزم من نزول البشر من المخالطة وصيرورته أسفل ما نزل منه أن هذا هو ما يلزم الاعتقاد بنزول الله تعالى .
وهذا ظن فاسد واعتقاد باطل ، فالله تعالى قال عن نفسه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى/ 11 ، وهذا كافٍ لبيان أن نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ليس كنزول خلقه ، وهكذا ينبغي الاعتقاد في سائر صفاته ، كالاستواء والغضب والوجه واليدين والعلم والرحمة وغيرها من الصفات ، لا فرق بين الصفات الذاتية منها والصفات الخبرية والصفات الفعلية ، بل كلها سواء في كونها ليست كصفات أحدٍ من خلقه .
وبما ذكرناه يتبين لك – إن شاء الله – وجه الخلل في فهم أولئك القوم ، وخطورة ذلك الاعتقاد في ربهم تعالى ، وكيف يمكنك الرد عليهم .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 39679 ) .
والله أعلم .