عنوان الفتوى : أكمل الصبر ما كان عند الصدمة الأولى
أنا أعمل بالسعودية، ومنذ شهرين جاءني تليفون من مصر مفاده أن ابني الشاب البار الذي يدرس في السنة النهائية قد عمل حادث بالسيارة، وأنه مصاب بكسر في قدمه، فأصابني خوف ورعشة شديدة، ثم اتصلت بالمستشفى التي نقل إليها، وعندما سألت الممرضة عنه فاجأتني بأنه توفي، فقلت إلا ابني هذا وبكيت فقط، ثم سرعان ما قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، وحمدت الله وصليت ركعتي شكر لله، ودعوت الله أن يرحمه ويعوضني في مصيبتي ويخلف لي بأفضل منها، وجهزت نفسي للسفر لمصر. فهل ما حدث مني أثاب عليه عند الله باعتباره حمدا واسترجاعا؟ أم يعتبر من الجزع؟ علما بأنني حتى الآن كلما أتذكره تسيل الدموع من عيني وأكاد أن أجن، ولكن أحمد الله وأشكره على كل شيء. أفيدونا مشكورين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعظم أجرك ويحسن عزاءك. وقد أحسنت في استرجاعك ودعائك بدعاء المصيبة، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة. رواه البخاري وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وغيره.
وروى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني (وفي رواية آجرني) في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما وقع منك فهو لا يمنع الثواب، ولكنه يحتمل أن يقصر بك عن الأجر الجزيل الكثير الذي ينال بسبب الصبر عند الصدمة الأولى، فقد ذكر أهل العلم أن أكمل الصبر ما كان عند الصدمة الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: معناه الصبر الكامل الذي يترتب على الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه. اهـ.
وعلى هذا، فان فاتك أجر الصبر الكامل، فنرجو من الله تبارك وتعالى ألا يحرمك من أجر الصابرين المذكور في النصوص السابقة.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 61485.
والله أعلم.