عنوان الفتوى : حكم دفن الميت قبل قدوم ولده في مقبرة سوى التي أوصى بها
توفي الوالد، وكان قد وصى أبناءه بدفنه في مقابر اشترك فيها، وكان يدفع لها رسوما شهرية، وشاء الله أن أدفنه بمقابر أخرى؛ نظرا لأن أوراق المقبرة التي أوصى بها كانت غير موجودة وقت الوفاة، وحدث خلاف شديد بيني وبين أحد أشقائى بهذا الموضوع. هل أنا أكون قد أذنبت بفعل ذلك؟ مع العلم بأن والدي كانت ظروفه الجسمانية وقت الوفاة لا تحتمل الانتظار، وعلما بأن أخي هذا كان في بلد آخر، وأمرني بأن أنتظره قبل أن أدفن والدي، وكان أمامه ست ساعات إلى إن يصل، وأنا تصرفت ودفنته قبل أن يصل؛ لأن ظروف والدي الجسمانية كانت لا تحتمل الانتظار، وجميع من حولي نصحوني بدفنه سريعا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يحسن عزاءكم، ويرحم ميتكم، وننصحكم بالحرص على حصول التآخي بينكم، وألا يكون ما حصل سببا للشقاق واختلاف القلوب.
وإذا كنتم خفتم علي الميت التغير ولم تجدوا أوراق المقبرة فلا حرج عليكم في دفنه في غير المحل الذي أوصى أن يدفن فيه، ولا حرج أيضا في عدم انتظار الأخ الذي كان يريد ألا يدفن قبله، بل إن هذا هو الأولى والواجب عند خشية التغير، فقد ثبت في السنة تعجيل دفن الميت.
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن يكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرجه الطبراني بإسناد حسن.
وقال ابن حجر في شرحه للحديث الأول: وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات.
ويجوز انتظار بعض أهل الميت الغائبين، ما لم يطل هذا الانتظار، ويخشى تغير الجثة، فقد قال المناوي في فيض القدير: ينبغي انتظار الولي إن لم يخف تغيره. اهـ
وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: وفي الانتظار لولي وجهان، أحدها لا بأس أن ينتظر وليه، وهو الصحيح،... قال في الرعاية الكبرى: ويجوز التأني قدر ما يجتمع له الناس من أقاربه وأصحابه وغيرهم، ما لم يشق عليهم أو يخف عليه الفساد. انتهى. والوجه الثاني لا ينتظر. انتهى.
وفي نهاية المحتاج للرملي الشافعي: (ولا تؤخر) الصلاة عليه أي لا يندب التأخير (لزيادة المصلين) لخبر {أسرعوا بالجنازة} ولا بأس بانتظار الولي إذا رجي حضوره عن قرب وأمن من التغير. انتهى.
والله أعلم.