عنوان الفتوى : هل تدخل العلوم الدنيوية النافعة ضمن العلوم الشرعية فيشترط لها الإخلاص ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

انا مقبل على مرحلة الالتحاق بالدراسات العليا ( الماجستير والدكتوراه ) تحسينا لمكانتى بين الناس ، ولكن سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار ) فهل علم الدنيا كالتاريخ واللغة والكيمياء والطب داخل فى نطاق هذا الحديث أم المقصود بالعلم فى الحديث هو علم الدين فقط وهل عندما اقوم بطلب العلم تحسينا لوضعى فى المجتمع فهو حرام ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

أولا :

الحديث المذكور : رواه ابن ماجة (253) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ ) وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

ورواه أيضا (254) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ولفظه : ( لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

والمقصود بالعلم في هذا الحديث وغيره العلم الشرعي ، فهو المقصود ـ أصالة ـ بالثناء والمدح في خطاب الشرع .

وهو أصل خطاب الشارع بالتكليف ، وأصحابه ورثة الأنبياء ، كما قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( العلماء ورثة الأنبياء ) رواه أبو داود (3641) وغيره ، وصححه الألباني .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" العلم يطلق على أشياء كثيرة , ولكن عند علماء الإسلام المراد بالعلم هو : العلم الشرعي , وهو المراد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (2 / 302) .

ثانيا :

ما ذكرناه من أن العلم المراد بالحديث هو العلم الشرعي ، لا يعني أن العلوم الدنيوية غير محمودة بالإطلاق ، ولا مطلوبة ، بل المحمود من هذه العلوم مطلوب ، لتعلق مصالح الأمة به ، واحتياجها إليه .

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" بيان العلم الذي هو فرض كفاية : اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم ، والعلوم بالإضافة إلى الغرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية ، وأعني بالشرعية ما استفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ، ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ، ولا التجربة مثل الطب ، ولا السماع مثل اللغة .

فالعلوم التي ليست بشرعية : تنقسم إلى ما هو محمود ، وإلى ما هو مذموم ، وإلى ما هو مباح ؛ فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب . وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية ، وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة ؛ أما فرض الكفاية فهو علمٌ لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا ، كالطب ؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان . وكالحساب ؛ فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما . وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين .

فلا يُتعجب من قولنا : إن الطب والحساب من فروض الكفايات ؛ فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات ، كالفلاحة والحياكة والسياسة ، بل الحجامة والخياطة ؛ فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم ، وحَرِجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك " انتهى .

"إحياء علوم الدين" (1/16) .

فتبين أن من علوم الدنيا ما هو محمود مطلوب ، وأن شأنها شأن الصناعات : الفلاحة والتجارة وغيرها ، تطلب لمصالح الدنيا ، وجرى الناس على تعلمها والعمل بها لذلك ، ولا ينكر التكسب من ورائها ، لأنها ليست قربة محضة .

ثالثا :

من تعلم شيئا من هذه العلوم الدنيوية المباحة ـ من حيث الأصل ـ ، بإمكانه أن يحسن نيته فيه ، يطلب الخير له وللناس ، أو سد حاجة المحتاج ، أو إعانة الضعيف ، أو إغناء أمته وسد حاجتها ، أو غير ذلك من المقاصد المحمودة شرعا ، وبقدر ما عنده من القصد الحسن ، والنية الصالحة يحمد على عمله ويؤجر عليه ، إن شاء الله ، وإن كان هذا العمل مباحا من حيث الأصل ، ولو تجرد عن ذلك القصد الحسن لم يأثم على ذلك ، ولم يكن ملوما عليه .

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :

" كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه ، داخل فيما يرفع الله - من علمه وعمل به، مخلصا له - عنده درجات ، وأنه مقصود بالقصد الأول . وكل علم دنيوي تحتاجه الأمة ، وتتوقف عليه حياتها ، كالطب والزراعة والصناعة ونحوها ، داخل أيضا إذا حسنت النية ، وأراد به متعلمه والعامل به نفع الأمة الإسلامية ودعمها ، ورفع شأنها ، وإغنائها عن دول الكفر والضلال ، لكن بالقصد الثاني التابع ، ودرجات كل متفاوتة تبعا لمنزلة ذلك من الدين ، وقوته في النفع ودفع الحاجة " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 77) .

والله تعالى أعلم .

راجع جواب السؤال رقم : (10675) .