عنوان الفتوى : ترك الإنفاق على زوجته مدة ثم طلقها فهل لها أن تطالبه بالنفقة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

يدور سؤالي حول ابنتي وزوجها ، فقد انفصلا منذ عام لأنه كان يسئ معاملتها وقد كانت تعيش في منطقة بعيدة عن العائلة والأصدقاء ، وقد اضطرت ذات مرة في أحد المشاجرات للاتصال بالشرطة ، ووصلت الشرطة وفتشت المنزل للتأكد من دليل على صدق كلامها وألقوا بأعينهم على جسدها المضروب ومن ثم ألقوا القبض عليه ، ولم يُسمح له برؤيتها ولا بالحديث معها ولا في الذهاب إلى أي مكان تكون موجودة فيه ، ونتيجة لذلك فقد اضطررنا لإحضارها للبيت لأن زوجها طلب منا فعل ذلك ، وقد كانت تزن 45 رطلا وهي ابنة التاسعة عشر عاما وكان عندها نقص فيتامين وحاملا ولم يكن هناك طعام في المنزل ولم يكن لها خيار فكل ما كانت تستطيع فعله هو الذهاب إلى المسجد أو الذهاب للتسوق أو الانطلاق في الهواء الطلق . وفي ظل تلك المحنة أشار علينا الزوج باسترجاعها بعد حل المشكلة مع المحكمة وقد كان الشيء الوحيد الذي أبقاه على اتصال بنا هو الضغط علينا لتحضر ابنتي إلى المحكمة وتقر بأنها ضربته ، وعندما رفضت القيام بذلك اشتد غضبه وهددها بالطلاق وهي على أية حال قد كتبت خطابا إلى مكتب المحامي العام ورجتهم أن يسقطوا القضية من على زوجها لأنها تريد أن تستعيد زواجها به مرة أخرى ، وبمجرد أن سقطت عنه القضية وجدناه يخبرنا على الفور بتطليقه لها بسبب اتصالها بالشرطة وهو الشيء الذي لم يتغاضى عنه . ومنذ يونيو 2008 ونحن لا نعرف عنه شيئا رغم اتصالنا به لمحاولة معرفة تفاصيل الطلاق. وهما شخصان مطلقان الآن وفق الشريعة الإسلامية فهل واجب لها حق النفقة عن العام الذي أنفقنا عليه فيه؟ وبم تنصح في حل تلك المسألة؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

أولا :

يلزم الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف ؛ لقوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ 34 . وقوله : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7 .

وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
رواه أبو داود ( 2142 ) وابن ماجه ( 1850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال ابن رشد رحمه الله  : " واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج : النفقة ، والكسوة ؛ لقوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية ؛ ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام : (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ؛ ولقوله لهند : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فأما النفقة : فاتفقوا على وجوبها " انتهى من "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" ( 2 / 44 ) .

وهذه النفقة تسقط إذا كانت الزوجة ناشزا ، أي عاصية لزوجها ، كخروجها بدون إذنه ، وامتناعها عن إعطائه حقه .

ثانيا :

يلزم الزوج نفقة زوجته المطلقة طلاقا رجعيا خلال العدة .

فإن طلقها وهي حامل ، فعدتها إلى وضع الحمل .

فيلزمه النفقة عليها خلال حملها ولو طلقها .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 16 / 274 ) :
"تجب النّفقة والسّكنى للحامل المطلّقة طلاقا رجعيّا أو بائنا حتّى تضع حملها ، وذلك باتّفاق الفقهاء ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) " انتهى  .

ثالثا :

يلزم الزوج النفقة على الحمل في جميع الأحوال ، سواء كانت الزوجة مطيعة أو ناشزا ، قبل الطلاق وبعده ، ثم تلزمه النفقة على المولود إذا ولد .

وينظر جواب السؤال رقم (106750) .

وبهذا يتبين أن زوج ابنتك تلزمه النفقة على الحمل قبل الطلاق وبعده ، كما تلزمه النفقة على ابنتك قبل الطلاق ، وبعد الطلاق إلى انقضاء العدة . ولا يستثنى من ذلك إلا إذا ثبت نشوزها ، فتسقط نفقتها هي ولا تسقط نفقة حملها .

وإذا لم ينفق الزوج النفقة الواجبة ، كان للزوجة أن تستدين وتنفق على نفسها ثم تطالبه بذلك .

وسواء استدانت أو أنفقتم عليها من غير استدانة ، فإن النفقة التي لم يدفعها الزوج لا تسقط عنه بمضي الزمن ، ولكم المطالبة بها .

قال ابن قدامة رحمه الله : " ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدةً , لم يسقط بذلك , وكانت دَيْناً في ذمته , سواء تركها لعذر  أو غير عذر , في أظهر الروايتين [يعني عن الإمام أحمد] . وهذا قول الحسن ومالك , والشافعي , وإسحاق , وابن المنذر ".

واستدل رحمه الله بأن "عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد , في رجال غابوا عن نسائهم , يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا , فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى" انتهى من "المغني" (8/ 165) .

رابعا :

إذا انقضت العدة بوضع الحمل ، لم يجز رجوع ابنتك إلى مطلقها إلا بعقد جديد ومهر جديد .

والذي ننصح به أختنا وفقها الله أنه إن كان زوجها سيء الخلق ، ولا ترجو تغيرا كثيرا في خلقه ، فلا تحرص على الرجوع إليه ، ولعل فيما حدث خيرا لها ، وقد قال تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130 .

وإن كان زوجها مرضيا في الجملة ورغبت في الرجوع إليه فلها أن توسط من يبحث عنه ويسعى في لمّ الشمل وجمع الزوجين ، وينبغي أن تكثر من اللجوء إلى الله تعالى ، وسؤاله التوفيق والسداد .
والله أعلم .