عنوان الفتوى : لا يجزئ الصيام في كفارة اليمين لمن قدر على الإطعام أو الكسوة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كنت قد حلفت يمينين على فعل أمرين معينين، ورأيت خيرا منهما وأردت أن أكفر عنهما ولم أكن أملك إطعاما، أو كسوة عشرة مساكين، فنويت صيام ستة أيام كفارة، أو تحليلا لهاتين اليمينين، ولكن في اليوم الرابع من الصيام تذكرت بأن لدي بعض الألبسة القديمة يكفي تقريبا لإكساء عشرة مساكين، فما حكم الأيام التي صمتها؟ وماذا أفعل الآن؟ أأكمل الصيام؟ أم أقطعه وأكسو عشرة مساكين؟. وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبه ـ أولا ـ إلى أنه قد يكون الحنث في اليمين وكفارتها أفضل من المضي فيها، لما روى مسلم في صحيحه عن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حلف أحدكم على يمين فرأى خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير.

وفي الحديث: إني والله ـ إن شاء الله ـ لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها. متفق عليه.

وكفارة اليمين على التخيير ببين الأنواع الثلاثة المذكورة في الآية الكريمة وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة ـ وفي حالة العجز عن كل واحد من تلك الثلاثة تجزئ ثلاثة أيام، لقوله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89 }.

وعليه، فإن قادرا كنت على كفارة اليمينين بوجود واحد من تلك الأنواع الثلاثة ـ وهو الكسوة ـ فلا يجزئك الصيام عنهما, لأن الله تعالى قال في كفارة اليمين: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {البقرة:196}.

فلم يجز العدول إلى الصوم إلا عند العجز عن تلك الأنواع الثلاثة, وما صمته من الأيام فلا يعتد به إذا كنت تقدر على الكسوة وبالتالي، فكفارة اليمينين باقية في ذمتك, فقد جاء في الفقه على المذاهب الأربعة: ويشترط لصحة الكفارة أن يعجز عن فعل الثلاثة ويعتبر العجز وقت الأداء لا وقت الحنث فلو كان معه مال وقت الحنث ثم ذهب وصام، ثم رجع له المال، فإن الصيام يجزئه، لأنه كان عاجزا وقت الأداء ويشترط ـ أيضا ـ أن يستمر العجز إلى الفراغ من الصوم فلو صام المعسر يومين ثم حصل على المال قبل صيام الثالث لم يجزئه الصيام. اهـ.

وقال العبادي الحنفي في الجوهرة: ولو صام عن كفارة يمينه وفي ملكه عبده قد نسيه، ثم تذكر بعد ذلك لم يجزه الصوم بالإجماع، لأن الله تعالى قيد ذلك بعدم الوجود. اهـ.

وقال السرخسي في المبسوط: وإن صام المعسر يومين ثم وجد في اليوم الثالث ما يعتق, فعليه التكفير بالمال لانعدام شرط جواز البدل قبل حصول المقصود به. اهـ.

وقال الدردير المالكي في الشرح الصغير: ومن وجد طعاما قبل تمامها رجع للإطعام, ومن وجد مسلفا مع القدرة على الوفاء فليس بعاجز. اهـ.

ومثل الطعام الكسوة، كما قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير: قوله: ومن وجد طعاما ـ أي أو كسوة، أو عتقا, وظاهره وجوب الرجوع ولو كان الاستغناء في آخر يوم منها. اهـ.

وفي الفتاوى الهندية: إن صام العبد عن كفارة يمينه فعتق قبل أن يفرغ منه وأصاب مالا لم يجزئه الصوم، ولو صام رجل ستة أيام عن يمينين أجزأه، وإن لم ينو ثلاثة أيام لكل واحدة، وإن كان عنده طعام إحدى الكفارتين فصام لأحدهما، ثم أطعم للأخرى لم يجزئه الصوم وعليه أن يعيد الصوم بعد التكفير بالطعام. اهـ. 

ثم إنه ينبغي التنبيه إلى أنه لا بد أن يكون الثوب الذي يعطى للمسكين مما يصلح لأوساط الناس، وأن يكون قويا بحيث يمكن الانتفاع به، فلو كان قديما، أو جديدا رقيقا لا ينتفع به فإنه لا يجزئ، كما في الفقه على المذاهب الأربعة. 

والله أعلم.