عنوان الفتوى : حكم المعتمر إذا طاف وسعى ولم يحلق أو يقصر ناسيا ثم تزوج
ذهب أخي وأمي لأداء العمرة، وعند ما انتهيا نسيا أن يقصا شعريهما، فقد رجعا إلى جدة ونزعا الإحرام ومن اليوم الثاني ملك أخي وتزوج وقام بجميع محظورات الإحرام، ورجع إلى الرياض ولم يتذكر إلا بعد شهر وأمي امرأة كبيره السن وأبي لا يأتي أمي من زمان. فماذا على أمي وأخي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحلق نسك في الحج والعمرة على الراجح، ولا يتم التحلل في العمرة إلا بالحلق أو التقصير، وعليه فإن أخاك ووالدتك إن لم يكونا تحللا بالحلق والتقصير فهما باقيان على إحرامهما.
قال النووي رحمه الله: هل الحلق نسك؟ فيه قولان مشهوران أصحهما : باتفاق الأصحاب أنه نسك يثاب عليه ، ويتعلق به التحلل. والثاني : أنه استباحة محظور ، وليس بنسك وإنما هو شيء أبيح له بعد أن كان حراما كالطيب واللباس ، والمذهب أنه نسك يثاب عليه ويتحلل به التحلل الأول فعلى هذا هو ركن من أركان الحج والعمرة لا يصح الحج ولا العمرة إلا به ، ولا يجبر بدم ولا غيره ، ولا يفوت وقته ما دام حيا ، لكن أفضل أوقاته ضحوة النهار يوم الأضحى ، ولا يختص بمكان ، لكل الأفضل أن يفعله الحاج بمنى والمعتمر بالمروة ، فلو فعله في بلد آخر إما وطنه وإما غيره جاز بلا خلاف ، ولا يزال حكم الإحرام جاريا عليه حتى يحلق. انتهى.
والحلق عند الحنابلة نسك على الراجح كذلك، وهو واجب من واجبات العمرة فلا يحل منها قبل فعله.
قال في لإنصاف: قوله-أي صاحب المقنع- ثم يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر ثم قد حل، وهل محله قبل الحلق والتقصير على روايتين أصل هاتين الروايتين الروايتان اللتان في الحج هل الحلق والتقصير نسك أو إطلاق من محظور على ما تقدم ذكره الشارح وابن منجا، وتقدم أن الصحيح من المذهب أنه نسك فالصحيح هنا أنه نسك فلا يحل منها إلا بفعل أحدهما وهو المذهب صححه في التصحيح وغيره، وجزم به في الوجيز وغيره. والرواية الثانية أنه إطلاق من محظور فيحل قبل فعله وأطلقهما في الهداية والمذهب والتلخيص ويأتي في واجبات العمرة أن الحلاق أو التقصير واجب في إحدى الروايتين. انتهى.
وإذا علمت ما مر، وأن أخاك وأمك لم يزالا باقيين على إحرامهما لكونهما لم يتحللا بالحلق والتقصير الذي هو نسك على الراجح، فالواجب عليهما أن يبادرا بالتحلل، فيخلع أخوك الثياب المخيطة ويلبس ملابس الإحرام ويحلق أو يقصر بنية التحلل، وأما أمك فتقصرمن شعرها بنية التحلل كذلك، وأما ما ارتكباه من المحظورات فإنه يعفى عنه ولا يجب عليهما فيه شيء لجهلهما بالحكم، إلا أن الأحوط أن ما كان من قبيل الإتلاف كقص الشعر وتقليم الأظفار ففيه الفدية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: حكم من نسي التقصير في العمرة حتى تحلل من إحرامه وفعل شيئاً من محظورات الإحرام أن تحلله من إحرامه ليس عليه فيه شيء، وما فعله من محظورات ولو كان الجماع ليس عليه فيه شيء، لأنه ناس للحلق، وجاهل في فعل المحظور، فليس عليه شيء، ولكن إذا ذكر وجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام لأجل أن يقصر وهو محرم، هذا إذا كان رجلاً، إما إذا كانت امرأة فإنه لا يلزمها أن تخلع ثيابها بل تقصر وإن لم يكن عليها ثيابها التي أحرمت بها؛ لأن المرأة ليس لها ثياب خاصة للإحرام، فالمرأة تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة. انتهى.
وإذا علمت أن أخاك لم يزل محرما فإن كان عقد على تلك المرأة قبل التحلل بالحلق أو التقصير فإن نكاحه لم يقع صحيحا، لأن نكاح المحرم باطل في قول الجمهور، وأما ما مضى من وطء فإنه وطء بشبهة يرجى ألا يكون عليه فيه إثم، والواجب عليه أن يعتزل تلك المرأة إلى أن يجدد ذلك العقد.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب.
قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ولا يخطب ) ثم ذكر مسلم الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، أو وهو حلال ، فاختلف العلماء بسبب ذلك في نكاح المحرم ، فقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم : لا يصح نكاح المحرم ، واعتمدوا أحاديث الباب . وقال أبو حنيفة والكوفيون : يصح نكاحه لحديث قصة ميمونة ، وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالا هكذا رواه أكثر الصحابة . قال القاضي وغيره : ولم يرو أنه تزوجها محرما إلا ابن عباس وحده ، وروت ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حلالا ، وهم أعرف بالقضية لتعلقها بهم ، بخلاف ابن عباس ، ولأنهم أضبط من ابن عباس وأكثر . انتهى.
ويكون تجديد العقد بأن يقول له وليها زوجتك بنتي أو أختي ويقول هو قبلت في حضرة شاهدين عدلين وهو أمر يسير لا مشقة فيه.
والله أعلم.