عنوان الفتوى : حكم استخدام الخل الذي يحوي نسبة من الكحول
سؤالي يتعلق باستعمالات الخل، فلدينا ببلدنا الخل الذي يباع بالمحلات ولكن كتب عليه "خل الكحول" ودرجته المئوية على ما أذكر ونستعمله في السلطة أو غيرها، ثم نحن نصنع خلا بالبيت عبارة عن عنب قرب فساده نضعه في قنينة زجاجية ونتركه مدة طويلة حتى تصبح رائحته نتنة ويتكون سائل به، ثم نستعمله عندما ترتفع الحرارة عند المرض على شكل كمادات فوق الرأس أو أخذ ملعقة منه في كأس ماء أو دهنه فوق الجسد لتخفيض الحرارة وهو جد فعال، وفي الماضي كانوا يستعملونه في الأكل أيضا فهل يعتبر الخل الأول حراماً لأنه كتب عليه خل الكحول والدرجة، وهل يعتبر الثاني حراما لأنه يترك مدة وكأنه يختمر وتصبح رائحته كريهة علما بأننا لا نضيف له أي شيء إطلاقا، مع العلم أني لا أدري هل تناول الكثير منه مثلا دفعة واحدة يسكر، وهل علينا كفارة ما إن كان حراما ونحن كنا نستعمله غالبا وغالبية الناس كذلك، وماذا عن خل التفاح وغيره؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء وشكر الله لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل جواز الانتفاع بخل التفاح، كغيره من أنواع الخل الأخرى ما لم يكن مخلوطاً بمحرم كالكحول، وأما إذا اشتمل الخل على الكحول أو غيره من المسكرات قبل أن يستحيل إلى مادة أخرى ويزول عنه وصف الإسكار فإنه يصير حراماً سواء سكر منه الشخص أو لا، فالكحول هي المادة المسكرة في الخمر، وقد ذكرنا في فتاوى كثيرة أن المواد التي تحتوي على كحول تعتبر نجسة ولا يجوز استعمالها لأن الكحول إذا خالطت أي شيء قبل استحالتها ولو كانت النسبة المستعملة منها قليلة جداً، فإن ذلك الشيء يتنجس ويحرم استعماله، لما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام.
وإذا انقلب الخمر أو الكحول بنفسه خلا دون تدخل من أحد، فإنه يطهر ويجوز استعماله، أما إذا قصد تخليله فقد اختلف فيه أهل العلم، والراجح عندنا أنه لا يحل ولا يطهر لما في صحيح مسلم عن أنس: سئُل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلاً، قال: لا. وفي المسند وغيره من حديث أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي حجره يتيم، وكان عنده خمر حين حرمت الخمر، فقال: يا رسول الله أصنعها خلاً؟ قال: لا، فصبها حتى سال الوادي. وروى أحمد عن أنس: أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً؟ فقال: أهرقها، فقال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: لا. وروى الحاكم والبيهقي من حديث أنس أيضاً قال: كان في حجر أبي طلحة يتامى، فاشترى لهم خمراً، فلما أنزل الله تحريم الخمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أأجعله خلاً؟ قال: فأهرقه.
وبناء على ذلك نقول بما أن الخل المذكور أولاً فيه نسبة من الكحول، فإنه يحكم بنجاسته باعتبار أصله ما لم يثبت أنه قد تخلل بنفسه، لأن من القواعد الفقهية المقررة أن اليقين لا يزول بالشك، وإذا ثبتت نجاسته حرم استعماله في الأكل ودواء باطن الجسد اتفاقاً ومنعه جمع من أهل العلم في ظاهر الجسد فقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن جابر بن زيد: أنه سئل عن دردى الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشيء منه في جراحة أو سواها قال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه. وقال ابن شعبان: لا يتعالج بالمسكر وإن غسل بالماء ولا يداوي به دبر الدواب. وقد ذكر الزيلعي في تبيين الحقائق أن أبا حنيفة رحمه الله قال: أكره دردى الخمر أن تمتشط به المرأة. وذكر أيضاً أن عائشة رضي الله عنها كانت تنهى النساء عن ذلك أشد النهي.
وأما الخل الذي يصنع بالبيت فإن لم يثبت لكم أنه تخمر حتى صار مسكراً فإنه لا حرج عليكم فيه لأن الأصل في الأطعمة الحل ما لم يعلم يقيناً أو ظناً غالباً أن فيها ضرراً أو خالطها مسكر أو نجس فالطعام لا يحرم بالشك، كما قال أهل العلم.. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74229، 23146، 47204، 20249، 54401، 35836.
والله أعلم.