عنوان الفتوى : حكم الخل الممزوج بالكحول، والدهن الحيواني
السلام عليكم و رحمة الله. أخوكم يشرف على مسجد في مدينة ليون بفرنسا، وتردني أسئلة من إخواني المسلمين، وحيث إني لا أريد تحمل ما لست له أهلا، فإنني أستأذنكم في إحالة استفسارات إخواني عليكم لثقتي في علمكم. سألني أحد الإخوة عن حكم استعمال الخل الممزوج بالكحول في الطبخ أو في السلطات. 2- ما حكم الحلوى التي تحوي الدهون الحيوانية؟ أرجو منكم إخواني الأعزاء الاهتمام بتساؤلات إخوانكم بأرض الغربة -غربة الدين والوطن.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فهذا الخل إن كان قد مزج بقدر من الكحول من النوع الذي لو شرب لأسكر طربًا، فإنه لا يحل أكله، سواء طبخ أو لا؛ لأنه استعمال للخمر التي تجب إراقتها والتخلص منها، مع كونها نجسة عند جماهير العلماء. وإن كانت مادة الكحول قد استحالت استحالة كاملة قبل مزجها بالخل، بحيث زال عنها وصف الإسكار، فلا حرج في تناول الممزوج بها حينئذ، لعدم ما يوجب المنع، والأولى تركه والاستغناء عنه بالخل الطبيعي الخالي من الكحول. وأما الدهن الحيواني، فإن أريد به السمن أو الزبد المعمول من اللبن، فينظر فيه، فإن كان من حيوان مأكول اللحم أخذ منه حال حياته، فهو مباح. وإن كان من حيوان من غير مأكول اللحم، أو من مأكوله لكنه ميتة، فلا يباح أكله؛ لأنه نجس. قال البهوتي في كشاف القناع: (ولبن غير مأكول) كلبن الهر والحمار (وبيضه) أي بيض غير المأكول، كبيض الباز والعُقاب والرخم (ومنيه من غير آدمي: نجس) كبوله وروثه. اهـ وقال: (ولبن الميتة) نجس مائع لاقى وعاء نجسًا فتنجس (وإنفحتها) شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر، فيُصر في صوفة فيغلظ كالجبن، قاله في القاموس: نجسة؛ لما تقدم. اهـ لكن وقع الخلاف في لبن الميتة وإنفحتها، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله طهارتها. قال في الفتاوى الكبرى: وأما لبن الميتة وإنفحتها ففيه قولان مشهوران للعلماء. أحدهما: أن ذلك طاهر، كقول أبي حنيفة وغيره، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. والثاني: أنه نجس، كقول الشافعي والرواية الأخرى عن أحمد. وعلى هذا النزاع انبنى نزاعهم في جبن المجوس، فإن ذبائح المجوس حرام عند جمهور السلف والخلف، وقد قيل: إن ذلك مجمع عليه بين الصحابة. فإذا صنعوا جبنًا، والجبن يصنع من الإنفحة، كان فيه هذان القولان. والأظهر أن إنفحة الميتة ولبنها طاهر؛ لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس، وكان هذا ظاهرًا سائغًا بينهم. وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر، فإنه من نقل بعض الحجازيين، وفيه نظر. وأهل العراق كانوا أعلم بهذا، فإن المجوس كانوا ببلادهم، ولم يكونوا بأرض الحجاز، ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام. وقد ثبت عنه أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء؟ فقال: الحلال ما حلله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه. وقد رواه أبو داود مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب، فإن هذا أمر بين، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس، فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها. وإذا كان ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع النزاع بقول النبي صلى الله عليه وسلم. إلى آخر كلامه رحمه الله. وإن أريد بالدهن الحيواني، الشحم المأخوذ من الحيوان، فلا يحل إلا إذا أخذ من حيوان مذكَّى مأكول اللحم. أما إن أخذ من غير مأكول اللحم، أو من غير المذكَّى تذكية شرعية، فلا يحل أكله ولا إضافته إلى مأكول كالحلوى. والله أعلم.