عنوان الفتوى : رؤية شرعية حول إعادة بناء المسجد الحرام
هل تؤيدون الفتوى التي ذكرها بعض العلماء عن أهمية إعادة بناء المسجد الحرام بحيث يخصص قسم للرجال وقسم للنساء تجنبا للاختلاط بين الجنسين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تم طرحه من بعض المشايخ الكرام من أهمية أعادة بناء المسجد الحرام – وليس هدم الكعبة كما أشاعه بعض المتربصين بأهل العلم – له وجهة نظر فيما نرى, وهذه الفكره تم طرحها لمعالجة عدة أمور وليس الاختلاط فحسب.
فالمسجد الحرام ببنائه الحالي يضيق بالملايين من المصلين والحجاج والمعتمرين في الطواف والصلوات والمسعى لا سيما في أوقات المواسم, ومع هذه الأعداد الكبيرة يقع الناس في ضيق شديد وتحصل مفاسد كثيرة بسبب الزحام الشديد كالاختلاط بصورة مشينة وكذا السرقة، ويضيع بعض الحجاج والمعتمرين لا سيما من كبار السن والنساء والأطفال بسبب شدة الزحام, وتضيق الأبواب عند الخروج والدخول إلى الحرم, وغير ذلك من الأمور المترتبة على شدة الزحام, والناس يطوفون داخل الأروقة ويحصل اختناق في تلك الأروقة لأنها لم تبن ليطوف الناس فيها فهي مضلعة وأضلاعها ليست متوزاية, وفي بعض الأمكنة منها يكاد الطائف أن يجعل الكعبة وراءه, وكذا قرب المسعى من المطاف في السطح أو الدور الثاني وما يترتب عليه من اختناق.
فالسعي في تقليل تلك المفاسد أو إزالتها - ولو بإعادة بناء المسجد - لا مانع منه شرعا ما دام قد وجد مقصد صحيح, فقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة نفسها قبل البعثة لمقصد صحيح وهو تجديدها وحمايتها من السراق بعد أن جاءها السيل وأوشكت على السقوط وسرق بعض اللصوص طيبها, وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بتوسيع مسجده الشريف على حساب البيوت الملاصقة له لمقصد صحيح وهو استيعاب عدد أكبر من المصلين , بل هم النبي صلى الله عليه وسلم بهدم الكعبة نفسها لأجل مقصد صحيح وهو بناؤها على أساس إبراهيم ولم يمنعه من ذلك إلا خشية افتتان الناس لكونهم حديثي عهد بكفر وجاهلية, وعمر رضي الله عنه أخر المقام إلى مكانه الحالي لمقصد صحيح - بعد أن كان ملاصقا للكعبة - لتوسيع المطاف للطائفين.
فإذا وجد مقصد صحيح من إعادة بناء المسجد الحرام– ونؤكد ليس هدم الكعبة حتى نقطع الطريق على المتربصين – فلا مانع منه, ونحن في زمن التقنية والتكنولوجيا والهندسة والإمكانات الهائلة, فإذا استغلت هذه الإمكانات وأعيد بناء المسجد الحرام بطريقة تستوعب أعدادا أكبر, كأن يجعل دائريا مثلا , ويتم توسيع المطاف أو جعله مطافات في كل دور مطاف ويخصص بعضها للنساء , ويجعل مثلا مطاف متحرك آليا للضعفة وكبار السن ونحوهم ويزاد في عدد الأبواب, وتجعل أدوار للرجال وأخرى للنساء, فلا شك أن هذا خير عظيم ييسر على المسلمين عبادتهم ويجنبهم الحرج والمشقة والسرقة وتأمن النساء فيه على أنفسهن من الأمور المخزية التي نسمع عنها مما يفعله من ضعف الإيمان في قلبه واستحوذ عليه الشيطان ونسي أنه في حرم الرحمن, والسعي في الفصل بين الجنسين في الاختلاط أمر دلت عليه السنة .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة رضي الله عنها : ... طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ... , كما في البخاري .
وفيه أيضا أن عائشة رضي الله عنها كانت تطوف حجرة - أي معتزلة - من الرجال لا تخالطهم، فقالت لها امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبت, ومعنى "انطلقي عنك" انطلقي عن جهة نفسك. أفاده ابن حجر , وورد عن عمر أنه نَهَى أَنْ يَطُوف الرِّجَال مَعَ النِّسَاء ، فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ , ذكره الحافظ في الفتح.
ونحن نظن أن السلف الصالح لو توفرت لهم هذه الإمكانات الهائلة التي عندنا , ووجدت في زمنهم هذه المفاسد بصورتها التي عندنا لبنوا المسجد الحرام بطريقة تقضي على تلك المفاسد.
والله أعلم.