عنوان الفتوى : نذرت أن تصلي ركعتين بعد الصلاة العشاء طول حياتها
إنني كنت في موقف صعب للغاية ، وأردت أن أخرج منه بأسرع وقت ممكن ، ودعوت الله أنه لو صرف عني هذا الأمر فإنني سوف أصلي ركعتين بعد صلاة العشاء طوال حياتي ، وقد عرفت الآن أنني أسأت التصرف بفعل غير مباح في الإسلام وقد سألت الله المغفرة في كل مرة أصلي فيها بعد العشاء ولكنني أشعر بالذنب وأخاف عقاب الله يوم القيامة وفي بعض الأحيان ونظرا للحيض فإنني لا أستطيع أدائهما فهل علي أن أؤديهما بعد ذلك؟ لأنني لم أقل أنني سوف أؤديهما بعد كل عشاء وإنما قلت بأنني سوف أؤدي النافلة بعد العشاء طوال حياتي؟
الحمد لله.
أولا :
النذر مكروه ولا يأتي بخير ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري
(6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ : ( إِنَّهُ
لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل ) .
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - في الحديث القدسي- : ( لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ
النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ
وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ ).
فقد دلت الأحاديث على أن النذر لا يغير من قدر الله شيئا ، وليس له تعلق بالموقف الصعب الذي كنت فيه ، وليس له دخل في سرعة خروجك منه ، وإنما كل ما هنالك أن يوافق ما قدره الله ، فيظن العبد أن للنذر تأثيرا في وقوع ما وقع ، وهذا غير صحيح .
ومع كون النذر مكروها في الأصل ، إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ
، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6202) .
قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة : " وهو ثلاثة أنواع ، أحدها : التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها ، كقوله : إن شفاني الله فلله علي صوم شهر ، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع ، كالصوم والصلاة والصدقة والحج ، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم . . . إلخ " انتهى من "المغني" (13/ 622) .
ثانيا :
ما دمت قد نذرت بأن تصلي ركعتين بعد صلاة العشاء طوال حياتك ، فيلزمك الوفاء بهذا النذر ؛ لأنه نذر طاعة كما سبق ، ولا يدخل في ذلك زمن الحيض لأنه لم يدخل في لفظك ، كما ذكرت ، ولأنه ليس وقت صلاة ، فلم يدخل في إطلاق اللفظ .
وإذا حصل أن تركت هاتين الركعتين في ليلة من الليالي ، لزمك قضاؤهما مع كفارة يمين ؛ لأن النذر إذا فات عن وقته المحدد ففيه كفارة يمين .
قال المرداوي في "الإنصاف" (11/ 140) : "وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر ، فعليه القضاء وكفارة يمين ـ بلا نزاع ـ وإن لم يصمه لعذر ، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ وفي الكفارة روايتان ( يعني عن الإمام أحمد ) والمذهب : أن عليه الكفارة أيضاً ، وصححه ابن قدامه وغيره" انتهى بتصرف .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيمن " نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما ، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني ، فنقول له : إن عليك كفارة يمين ، لأن نذره تضمن شيئين: تضمن صيام عشرة أيام ، وأن تكون في هذا الشهر المعين . فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة ، وأما الأيام فقد صامها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/ 377) .
وأما شعورك بالذنب وأنت تصلين هاتين الركعتين فهو في غير محله ؛ فإن أصل النذر مكروه ، كما سبق ، وليس حراما ، ما دام قد نذر أن يفعل طاعة ، وهذه الكراهة في أصل النذر ، فإذا وقع النذر فالوفاء به واجب ، كما سبق ، وليس هناك ما يستحق الشعور بالذنب ولا الكراهة عن الأداء ، لأن الأداء قربة محبوبة لله تعالى ، قد أثنى على من قام به ، قال تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) الإنسان/7 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع ، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر " . انتهى . " تفسير ابن كثير" (8/287) .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |