عنوان الفتوى : حكم ابتلاع البلغم أثناء الصيام
أعاني من الوسواس أشد معاناة خصوصا فيما يتعلق بالوضوء والصلاة والطهارة والصيام من حوالي: 12 سنة، إلى درجة أن الإحباط واليأس يخيمان على حياتي بين الحين والآخر، وأشعر بأنني سأفقد عقلي قريبا، قرأت جميع الحلول في موقعكم هذا وحاولت تطبيقها، لكن دون فائدة، وهذه إحدى الوساوس التي تشعرني وكأنني مختلة عقليا: كنت أقضي أحد أيام رمضان، وقد استيقظت فوجدت بعض البلغم في فمي وحلقي فسارعت بإخراجه بالتنخم ـ كاللفظ بحرف الخاء مطولا وعدة مرات حتى أخرج كل مافي حلقي ـ ولكن خرج بلغم آخر بعد الأول فأخرجته بالتنخم مرة أخرى حتى شعرت بوجود بلغم آخر في نهاية الحلق، ولكن شعرت بأن إخراجه أمر شاق، لكونه في نهاية الحلق وسيطول بي الأمر ويتكرر مثل ما سبق فابتلعت ريقي الذي جرفه إلى الجوف، علما بأنني على مذهب الإمام الشافعي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الوساوس: فالذي ننصحك به وننصح به كل مبتلى بهذا الداء العضال: هو الإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، وأما ما ذكرته من أنك حاولت فلم تستطيعي: فنحن نقول لك عليك بقوة الإرادة والعزيمة الصادقة والإقبال على الله تعالى والاستعانة به في صرف ذلك الداء عنك، وثقي أنه تعالى سيعينك ويوفقك للتخلص منه بمنه وفضله، وانظري الفتويين رقم: 51601، ورقم: 134196.
وأما مسألتك: فلا نرى للوسوسة التي أصابتك مسوغا، وذلك لأن النخامة لا يفطر ابتلاعها عند الشافعية إلا إذا وصلت إلى حد الظاهر من الفم، وهو مخرج الخاء والحاء.
وأما إذا بقيت في حد الباطن ـ وهو مخرج الهمزة والهاء عندهم: لم يجب طرحها ولا يضر رجوعها إلى المعدة وما دمت لا تتيقنين أنها وصلت إلى حد الظاهر فالأصل صحة صومك وبخاصة وأنت مصابة بالوسواس ـ كما ذكرت ـ فالذي ننصحك به أن تعرضي عن هذا الأمر ولا تشتغلي بالتفكير فيه، ثم اعلمي أن بعض العلماء رجحوا أن ابتلاع النخامة لا يفطر وإن وصلت إلى الفم، وهذا أيضا قول لبعض الشافعية وإن رده النووي، ونحن نذكر لك بعض كلام الشافعية في المسألة ليتبين لك أن الخطب يسيرـ إن شاء الله ـ قال النووي في المجموع: النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم لم تضر بالاتفاق، فإن حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم، نظر إن لم يقدر على صرفها ومجها حتى نزلت إلى الجوف لم تضر، وإن ردها إلى قضاء الفم أو ارتدت إليه ثم ابتلعها أفطر على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى صاحب العدة والبيان وجها أنه لا يفطر، لأن جنسها معفو عنه، وهذا شاذ مردود، وإن قدر على قطعها من مجراها ومجها فتركها حتى جرت بنفسها فوجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره، أحدهما: يفطر لتقصيره، قال الرافعي: وهذا هو الأوفق لكلام الأصحاب.
والثاني: لا يفطر، لأنه لم يفعل شيئا، وإنما ترك الدفع فلم يفطر، كما لو وصل الغبار إلى جوفه مع إمكان إطباق فيه ولم يطبقه، فإنه لا يفطر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ولعل هذا الوجه أقرب. انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: فلو لم تصل إلى حد الظاهر من الفم وهو مخرج الخاء المعجمة وكذا الحاء المهملة كما قاله المصنف خلافا للرافعي بأن كانت في حد الباطن وهو مخرج الهاء والهمزة أو حصلت في حد الظاهر ولم يقدر على قطعها ومجها لم يضر. انتهى.
والله أعلم.