عنوان الفتوى : السعي في تزويج البنات مسؤولية من...
في السنوات الثلاثة الأخيرة طلبت من والدتي أن تجد لي زوجاً متديناً، ولم أسأل والدي لما في ذلك من الإحراج، ولسوء الحظ لم يأخذ والدي هذا الأمر على محمل الجد، ولم يفعل شيئاً حقيقياً. وعليه، فقد سألت أختي عن ذلك، وبدلاً من أي عمل فقد طلبوا مني إرسال إعلان على الإنترنت بهذا الخصوص. عمري الآن 25 سنة وأشعر أنني كبرت، أخاف الله ولا أريد فعل الفاحشة أو نحوها، كيف أحقق هذا الواجب وأظل ضمن إطار الإسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن ييسر لك أمر زواجك، وأن يحفظنا وإياك بالإسلام حتى نرد جنه النعيم.
ونوجه النصح للأب بتقوى الله تعالى، واتباع أوامره، ومن أوامر الله تعالى القيام بواجب الرعاية لمن استرعاه الله عليهم، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها...".
ونقول لهذا الوالد: اعلم أن أبناءك وبناتك أمانة في عنقك، تسأل عنهم يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون بين يدي رب السموات والأرض. فاحذر أن ترد على الله وأنت مقصر في رعايتك.
وأصغ لهذا الحديث الذي رواه البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ- قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه (أي الحديث) عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه، لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه، ولو كان متزوجاً، لأن أبابكر كان حينئذٍ متزوجا. أ.هـ.
وعلى هذا الأب أن يدرك أن الإسلام قد رغب في تقليل التكاليف في أمر الزواج حتى لا تكون عائقاً عن الزواج، ففي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".
والوقوف أمام الشباب والشابات عائقاً بغلاء المهور، وغير ذلك مدعاة لفساد عريض، وما نراه في مجتمعاتنا إنما هو حصاد لهذه المقدمات السيئة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي عن أبي هريرة.
أما أنت فعليك أن لا يحجزك الحياء عن مفاتحة والدك بالأمر، وتذكيره بالله تعالى، وعليك قبل ذلك وبعده أن ترفعي أمرك للذي لا تخفى عليه خافية، فإن الأمر كله بيده، وهو أكرم الأكرمين سبحانه. جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله حييٌ يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفراً خائبتين" رواه الترمذي من حديث سلمان الفارسي.
والله أعلم.