عنوان الفتوى : جاهد نفسك وأقبل على ربك وتب إليه
أنا شاب في الثلاثين من العمر أعاني من إدمان الانترنت الذي أبعدني عن طاعة الله وأوقعني في المعاصي وفعلت كبيرة من الكبائر بسبب الانترنت، وأريد التوبة ولكني لا استطيع، أريد أن أعود ولكن نفسي ضعيفة لجأت لكل الأشخاص وطرقت كل الأبواب حتى أنني ذهبت لطبيب نفسي ولم أفلح، نفسي دائما تحدثني بالمعصية، أنا كنت في قمة الالتزام ولكن الشيطان ونفسي أبيا إلا أن أعصي الله. أريد أن أتوب ولكن نفسي تقول لي إنه ليس لي من توبة لأني فعلت كبيرة، وأريد أن أتوب ولكن لا أستطيع. أنقذوني بالله عليكم ودلوني على الطريق أريد أن أتوب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم رزقنا الله وإياك التوبة النصوح أن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، وأن الله تعالى غفور رحيم لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وهو تعالى لسعة جوده وعظيم مغفرته يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فمهما كان ذنبك عظيما فإن عفو الله أعظم، ومهما كان جرمك كبيرا فإن مغفرة الله أكبر، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}. فدع عنك هذا الشعور والإحساس الكاذب بأنه لا توبة لك فإنما هو من تلبيس الشيطان وإرادته السوء بك، واطو صفحة الماضي وأقبل على ربك تعالى وأحسن الظن به فإنه تعالى عند ظن العبد به، واعلم أن بابه تعالى لا يرد في وجه سائل إذا جمع الإخلاص والصدق. إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. {الأعراف: 56}. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. {الأعراف: 156}. وأما زعمك أنك حاولت ولم تستطع فلا شك في أنه غير صحيح، فإن الله تعالى وعد من تقرب إليه شبرا بأن يتقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا بأن يتقرب إليه باعا، وأخبر تعالى أن من جاهد نفسه فيه هداه الله سبله. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. {العنكبوت:69}. فلو صدقت في مجاهدة نفسك على ترك المعصية وحملت نفسك على فعل ما تكره من الطاعة وترك ما تحب من المعصية عالما أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حجبت بالشهوات فإن الله تعالى سيعينك ويأخذ بناصيتك إلى الخير، ومما يعينك على ذلك البحث عن رفقة الخير والصحبة الصالحة فإنهم من أعظم العون على الاستقامة، يذكرون الناسي وينبهون الغافل والمرء على دين خليله كما روي في الحديث، والزم حلق الذكر ومجالس العلم واحرص على ملأ وقت فراغك بالنافع من تعلم العلم وحفظ القرآن ونحو ذلك من أبواب الخير، واجتهد في الدعاء بأن يثبت الله قلبك على دينه فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه تعالى يقلبها كيف يشاء، وأما الشبكة العنكبوتية فإن فيها السم الناقع والدواء النافع، فكن الناقد البصير تأخذ الخير وتدع الشر، وعليك أن تستحضر نظر ربك لك واطلاعه عليك ومراقبته إياك في الحركات والسكنات، فاستحي منه تعالى أن يراك على ما لا يحب أو يطلع منك على ما يكره، فإن ضعفت نفسك عن استحضار تلك المراقبة وخشيت غائلة الانفراد بتلك الشبكة وأن تتأثر بما فيها من سموم فنصيحتنا لك ألا تنفرد بجهاز حاسوبك ولا تدخل إلى الشبكة العنكبوتية إلا بمحضر من يستحيى منه لئلا تقع في المحظور، فإن لم يفد هذا فقاطع تلك الشبكة ريثما يمن الله عليك بالتوبة النصوح وتعلم من نفسك القدرة على الانتفاع بما فيها دون أن تصيبك أضرارها وذلك لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ونسأل الله أن يتجاوز عنك ويتوب عليك ويوفقنا وإياك لما فيه رضاه.
والله أعلم.