عنوان الفتوى : خلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الفرج
لقد قرأت في موقعكم أن لمس الأعضاء الحساسة يبطل الوضوء ولكني حقيقة غير مقتنعة بذلك، لأني أرى أنه من الطبيعي لمس هذه الأعضاء أثناء الاغتسال فنحن نستخدم الصابون و لابد أن نغسل جميع الجسم بما فيه تلك الأعضاء، ونجفف أجسامنا بعد الاستحمام و بالتالي سنلمس تلك الأعضاء، وقد نستخدم كريمات مرطبة للجسم. كما أني أقوم أحيانا بإزالة الشعر أثناء الاغتسال، فبعد نية رفع الحدث الأكبر والتسمية وتعميم الماء على الجسد و المضمضة والاستنشاق أقوم بإزالة الشعر ثم أستحم. فهل فعلي خاطئ و بالتالي غسلي أو وضوئي خاطئ و بالتالي يجب أن أعيد الوضوء و الصلوات؟ أنا أعتقد أن اللمس المحرم هو اللمس بشهوة. أتمنى أن تتقبلوا كلماتي و توضحوا لي إن كان هناك خلاف في هذه المسألة أم أن هذا الموضوع خاص بالرجال دون النساء. أرجو التوضيح. و جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمسألة انتقاض الوضوء بمس الفرج من المسائل التي انتشر فيها الخلاف منذ زمن الصحابة فمن بعدهم، فذهب إلى انتقاض الوضوء بمس الفرج جماعات من العلماء من الصحابة فمن بعدهم وهو قول جمهور العلماء.
قال الشوكاني في شرح حديث بسرة: من مس ذكره فليتوضأ: والحديث يدل على أن لمس الذكر ينقض الوضوء . وقد ذهب إلى ذلك عمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وابن عباس وعائشة وسعد ابن أبي وقاص وعطاء والزهري وابن المسيب ومجاهد وأبان بن عثمان وسليمان بن يسار والشافعي وأحمد وإسحاق ومالك في المشهور وغير هؤلاء . واحتجوا بحديث الباب . وكذلك مس فرج المرأة لحديث أم حبيبة الآتي وكذلك حديث عبد الله بن عمرو الذي سيذكره المصنف في هذا الباب. انتهى.
وذهب إلى عدم النقض أبو حنيفة وأصحابه، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث فقيدوا النقض بالمس لشهوة وحملوا حديث عدم النقض: إنما هو بضعة منك. على المس لغير شهوة، وهو مروي عن مالك وأحمد، ورجحه من المعاصرين الشيخ العثيمين رحمه الله، وفي المسألة مناقشات طويلة، غير أن ما قرأته في موقعنا هو الذي نراه راجحا لقوة دليله فإن أحاديث النقض أصح وأكثر.
قال الشوكاني في شرح المنتقى: وقال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته، وقد أيدت دعوى النسخ بتأخر إسلام بسرة وتقدم إسلام طلق ولكن هذا ليس دليلا على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول، وأيد حديث بسرة أيضا بأن حديث طلق موافق لما كان الأمر عليه من قبل وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه، وبأنه أرجح لكثرة طرقه وصحتها وكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده، ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون وأيضا قد روي عن طلق بن علي نفسه أنه روى ( من مس فرجه فليتوضأ ) أخرجه الطبراني وصححه قال : فيشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة. انتهى.
والمرأة في ذلك كالرجل كما مر لورود الأحاديث الصحيحة بأمرها بالوضوء إذا مست فرجها، وإن كان بعض القائلين بنقض الوضوء بمس الفرج قد خص ذلك بالرجال وهو رواية عن أحمد مال إلى ترجيحها الموفق في المغني، وهو قول مالك رحمه الله، والراجح كما ذكرنا الأول وهو أن وضوءها ينتقض بمس الفرج كما دلت على ذلك الأحاديث، فعن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ.
قال الشوكاني في شرحه: الحديث قال ابن السكن : لا أعلم له علة . ولفظ من يشمل الذكر والأنثى. ولفظ الفرج يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجال وهو مالك.
وأخرج الدارقطني من حديث عائشة: ( إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ ). وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري وهو ضعيف وكذا ضعفه ابن حبان قال الحافظ : وله شاهد.
وفي مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ.
وبعد هذا البيان الواضح لما ذهبنا إليه وذكر دليل ما رجحناه نحب أن نبين لك أنك لو كنت تقلدين أحدا من أهل العلم ممن يفتي بخلاف ما رجحناه فلا حرج عليك إذ المسألة من مسائل الاجتهاد، وأما ما ذكرته من أنه لا بد من مس الفرج أثناء الاغتسال أو بعده فليس كذلك إذ من الممكن جدا أن يغتسل الإنسان دون أن يمس فرجه بعد أن غسله في أول غسله كما هي السنة، وعلى فرض وقوع ذلك فإن الوضوء ينتقض به ولا بد من إعادته للصلاة على ما رجحناه، وانظري الفتوى رقم: 128234، وأما إعادتك ما مضى من صلوات لم تتوضئي لها بعد مس الفرج فلا يلزمك حتى على فرض أنك ستأخذين بالقول الذي نرجحه في المسألة، وذلك لما بيناه في الفتوى رقم: 123718، وانظري أيضا الفتوى رقم: 125010.
والله أعلم.