عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الصلاة بمكة في أوقات النهي
هل أوقات كراهة الصلاة لا تنطبق على مكة؟ أي بعد الفجر حتى ارتفاع الشمس قيد رمح وقبل الظهر وبعد العصر حتى الغروب؟ هل يمكن أداء نوافل فيها في مكة كلها أم في المسجد الحرام فقط؟ قرأت أن الشافعية استثنوا مكة من أوقات الكراهة، هل ذلك صحيح؟ وما دليلهم في هذا الاستثناء إذا كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن مكة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وهي هل تجوز الصلاة بمكة في أوقات النهي؟ فذهب الشافعية إلى الجواز مستدلين بحديث جبير بن مطعم عند الترمذي وغيره: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. وخالفهم في ذلك الجمهور وحملوا الحديث على ركعتي الطواف خاصة، ثم اختلف الشافعية هل الجواز خاص بالمسجد فقط أو بمكة أو عام في الحرم كله وهو المذهب.
قال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: لا تكره الصلاة بمكة في هذه الأوقات، سواء في ذلك صلاة الطواف وغيرها، هذا هو الصحيح المشهور عندهم، وفيه وجه أنه إنما تباح صلاة الطواف حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين منهم الشيخ أبو حامد والبندنيجي والماوردي، وحكاه صاحب الحاوى عن أبي بكر القفال الشاشي، والمذهب الأول، قال صاحب الحاوي: وبه قال أبو إسحق المروزي وجمهور أصحابنا، والمراد بمكة البلدة وجميع الحرم الذي حواليها، وفي وجه إنما تباح في نفس البلدة دون باقي الحرم، وفي وجه ثالث حكاه صاحب الحاوي عن القفال الشاشي إنما تباح في نفس المسجد الذي حول الكعبة لا فيما سواه من بيوت مكة وسائر الحرم، والصحيح الأول صححه الأصحاب وحكاه صاحب الحاوي عن أبي إسحق المروزي، هذا تفصيل مذهبنا. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا تباح الصلاة بمكة في هذه الأوقات لعموم الأحاديث، دليلنا حديث جبير. انتهى
ولعل مذهب الجمهور في هذه المسألة أرجح إن شاء الله.
قال النووي رحمه الله: حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار " رواه أبو داود والترمذي في كتاب الحج والنسائي وابن ماجه وغيرهما في كتاب الصلاة، وهذا لفظ الترمذي، وقال: هو حديث حسن صحيح. قال البيهقي: يحتمل أن يكون المراد بالصلاة صلاة الطواف خاصة وهو الأشبه بالآثار، ويحتمل جميع الصلوات (قلت) ويؤيد الأول رواية أبي داود: لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت يصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، وقال الشافعي : لا يمنع فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ] وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس إلا بمكة ] يقول : قال ذلك ثلاثا رواه الدارقطني. ولنا عموم النهي وأنه معنى يمنع الصلاة، فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض. وحديثهم أراد به ركعتي الطواف فيختص بهما، وحديث أبي ذر ضعيف يرويه عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف قاله يحيى بن معين. انتهى.
والله أعلم.