عنوان الفتوى : من كان له زوجتان وكانت إحداهما في درجة أعلى منه فهل يُلحق هو والأخرى بها ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قرأت في الحديث أنه إذا كان منزلة الوالدين أعلى من منزلة الأبناء في الجنة فإن الله برحمةٍ منه وفضل يرفع الأبناء إلى درجة الوالدين ، والعكس ، وأنه أيضاً إذا كانت منزلة الزوجة ، أو الزوج أعلى أحدهما من الآخر بما قدم من أعمال أفضل : فإن الله بفضله يرفعه إلى منزلة الآخر ، ولكن السؤال هنا : إذا كان الرجل له زوجتان ، وكانت إحداهما في درجة أعلى من الأخرى : فهل تُرفع الزوجة الأقل درجة هي والزوج إلى منزلة الزوجة الأعلى درجة ، مع أنها اجتهدت في الدنيا أكثر ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولاً :

ما ذكره الأخ السائل في مقدمة سؤاله ليس عليه دليل صحيح من السنَّة ، فيما نعلم ، ولكن جاءت أثار بذلك عن الصحابة والتابعين في تفسير قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الطور/21 .

فعن عَمْرُو بنِ مُرَّةَ قال : سَأَلْت سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ عن هذه الآيَةِ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال : قال ابن عَبَّاسٍ : الْمُؤْمِنُ تُرْفَعُ له ذُرِّيَّتُهُ لِيُقِرَّ اللَّهُ عز وجل عَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ في الْعَمَلِ .

رواه االطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 3 / 105 ) ، وصححه المحققون .

وقد ذكر الطحاوي رحمه الله أنه في حكم المرفوع ، وكذا قال الشيخ الألباني رحمه الله ، ولذلك خرجه في " السلسلة الصحيحة " ( 2490 ) .

وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (121192) أن الإلحاق في الجنة في الدرجات يكون لصغار الذرية ، ولمن يكون مع الأسرة في ذات البيت ، لا لمن استقل منهم بزواج .

ثانياً:

الزوجة إن كانت في الجنة في درجة أعلى من زوجها : فإن الله تعالى يجمع بينها وبين زوجها فيها ، بأن يلحقه بها في درجتها ، دون أن يُنقص من درجتها شيئاً .

وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (5981) أن المرأة تجتمع بزوجها وذريتهما في الجنة .

وعليه : فإن زوجها ، وأولادها منه يلتحقون بتلك المرأة الصالحة – الزوجة له ، والأم لهم – في درجتها في الجنة ؛ لتقر عينها ، وتسعد تلك الأسرة .

وفي مثل هذه الحال فإنه يصير الزوج في درجة عالية في الجنة ، ولنفرض أن له زوجة أخرى ، وأولاداً منها ، وهم دون تلك المنزلة التي صار فيها : فإنه يُرجى أن يقر الله عيونهم جميعاً بالالتقاء في تلك المنزلة العالية ، اجتماعاً لتلك الأسرة ، وتحقيقاً للسعادة التي وعدهم الله تعالى بها ، ويدل عليه ما ذكرناه من الآية ، وما أحلنا عليه من الأجوبة .

فتصير تلك الزوجة الصالحة سبباً في ارتفاع درجة زوجها ، وأولادها منه ، ثم يكون الزوج سبباً في ارتفاع درجة زوجته الأخرى ، وأولادهما .

وفضل الله تعالى عظيم ، ورحمته واسعة ، وبما قلناه يتحقق دعاء الملائكة حملة العرش في قولهم ( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) غافر/ 8 .

ويتحقق وعد الله تعالى لهم في قوله : ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) الرعد/ 22 ، 23 .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح ، أو خلَف صالح ، أو زوج صالح ، ممن تحققت فيهم هذه الصفات : أنه إذا صار إلى الجنَّة : لحِق بصالح أصوله ، أو فروعه ، أو زوجه ، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى ، كما قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شِيْءٍ ) الطور/ 21 .

والآباء يشمل الأمهات ، على طريقة التغليب ، كما قالوا : الأبوين .

"  التحرير والتنوير " ( 13 / 131 ، 132 ) .

واجتماع الرجل بزوجاته في الجنة يدل عليه عموم الآيات السابقة ، كما تدل عليه آيات مخصوصة على أحد الأقوال فيها ، ومنها :

1. قوله تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) الزخرف/ 70 .

ومعنى ( تُحبرون ) : أي : تُنعَّمون ، وتُسرُّون .

2. وقوله تعالى : ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ) يـس/ 55 ، 56 .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير آية الزخرف - :

قوله تعالى في هذه الآية : (وأزواجكم) فيه لعلماء التفسير وجهان :

أحدهما : أن المراد بأزواجهم : نظراؤهم ، وأشباههم ، في الطاعة ، وتقوى الله ، واقتصر على هذا القول : ابن كثير .

والثاني : أن المراد بأزواجهم : نساؤهم في الجنة ؛ لأن هذا الأخير أبلغ في التنعم ، والتلذذ ، من الأول .

ولذا يكثر في القرآن ، ذكر إكرام أهل الجنة ، بكونهم مع نسائهم ، دون الامتنان عليهم بكونهم مع نظرائهم وأشباههم في الطاعة .

قال تعالى : ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ) يـس/ 55 ، 56 .

 " أضواء البيان " ( 7 / 142 ) .

ونسأل الله أن يدخلنا وإياكم الجنة ، مع أهالينا ، وذرارينا ، من غير حساب ، ولا عذاب .

والله أعلم