عنوان الفتوى : هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية جميعها صغارها وكبارها ؟
قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة سترفع درجتهم لدرجة آبائهم ، والأحفاد لدرجة الآباء ، وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا أحفادهم ، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد على هذا الكرم الإلهي ، فما رأيكم ؟
الحمد لله
هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث على قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ
بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/21
، وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به : الصغار ، أو الكبار ، فأما
من قال إن المراد به الصغار ، فلا إشكال عنده في معنى الآية ، وإنما يرد الإشكال في
حال كون معنى " الذرية " : الكبار ، والراجح في تفسيرها أنهم الصغار ، وعليه : فلا
يرد ما استشكله الأخ السائل ، فالرفع للذرية الصغار ، وإلا للزم كون جميع أهل الجنة
في درجة واحدة .
1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
" وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو
الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال . ....
ثم قال :
واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في
الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ،
والله أعلم " انتهى .
"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار
.
2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" إذا كان الأولاد سعداء ، والأب من السعداء : فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه
: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا
بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ
امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) يعني : أن الإنسان إذا كان له ذرية ، وكانوا من أهل
الجنة : فإنهم يَتبعون آباءهم ، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا
أَلَتْنَاهُمْ ) أي : ما نقصنا الآباء ( مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) بل الآباء
بقي ثوابهم موفَّراً ، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها ، هذا ما لم يَخرج الأبناء عن
الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم ، وأهليهم ، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ، ولا
يلحقون بآبائهم ؛ لأننا لو قلنا : كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج ، أو كان
منفرداً بنفسه : لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة ؛ لأن كل واحد من ذرية من فوقه
، لكن المراد بالذرية : الذين كانوا معه ، ولم ينفردوا بأنفسهم ، وأزواجهم ،
وأولادهم ، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء "
انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" ( شريط 324 ، وجه : أ ) .
3. وقال رحمه الله - أيضاً - :
" ثم قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الطور/21 ، الذين آمنوا واتبعتهم
الذرية بالإيمان ، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً : هي الذرية الصغار ، فيقول
الله عز وجل : ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي : جعلنا ذريتهم تلحقهم في
درجاتهم .
وأما الكبار الذين تزوجوا : فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة ، لا يلحقون
بآبائهم ؛ لأن لهم ذرية ، فهم في مقرهم ، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم :
فإنهم يرقَّون إلى آبائهم ، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء ،
ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ( ألتناهم )
يعني : نقصناهم ، يعني : أن ذريتهم تلحق بهم ، ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر
ما رفعتم درجات الذرية ، بل يقول : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ ) " انتهى .
"تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |