عنوان الفتوى : هل يرفع الأذان في مسجد واحد دون سائر مساجد البلد
أرجو منكم التكرم بالإجابة عن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن العلماء مختلفون في حكم الأذان والإقامة على أقوال ورد ذكرها في استفتائك ضمن كلام ابن رشد في بداية المجتهد، والراجح دليلا أنهما فرض على الكفاية.
قال ابن قاسم: قال الشيخ: هما فرض كفاية، فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوهما، وقد أطلق طائفة من العلماء أن الأذان سنة، وكثير منهم يطلقون القول بالسنية على ما يثاب فاعله شرعا، ويعاقب تاركه شرعا، فالنزاع لفظي. انتهى.
فإذا علمت هذا فإن الواجب أذان واحد في المصر إن كفى، فإن لم يكف وجب ما يحصل به إعلام أهل البلد ويظهر به الشعار، وقال بعض العلماء هما واجبان في حق كل جماعة لظاهر حديث: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. متفق عليه. ولغيره من الأدلة.
قال في حاشية الروض: وقال ابن المنذر: واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر، لأمره عليه الصلاة والسلام مالكا، ومداومته صلى الله عليه وسلم هو أصحابه. انتهى.
وإن كان المشهور عن الجمهور هو الأول وأن الأذان الواحد في المصر يكفي إن حصل به الإعلام ويبقى سنة في حق غيرهم، وقد قدم صاحب الإنصاف القول بإجزاء مؤذن واحد في المصر وقد نقلت بعض كلامه وعبارته بتمامها هكذا: فائدة: يكفي مؤذن واحد في المصر نص عليه، قال في الفروع: وأطلقه جماعة وقال جماعة من الأصحاب يكفي مؤذن واحد بحيث يسمعهم. قال المجد وابن تميم وغيرهما بحيث يحصل لأهله العلم، وقال في المستوعب: متى أذن واحد سقط عمن صلى معه لا عمن لم يصل معه وإن سمعه سواء كان واحدا أو جماعة في المسجد الذي صلى فيه بأذان أو غيره وقيل: يستحب أن يؤذن اثنان وجزم به في الحاويين. انتهى.
فإذا تبين لك ما ذكرناه فاعلم أن الصفة المذكورة في التأذين هي خلاف السنة، والذي ينبغي أن يكون لكل جماعة مؤذن وذلك لما فيه من الخروج من خلاف من أوجب الأذان على كل جماعة، ولما فيه من تحصيل الفضيلة العظيمة للأذان فإن هذه الكيفية تحرم كثيرا من المسلمين من هذا الفضل ولأنه العمل الموروث للمسلمين عبر العصور أن يرفع الأذان من كل مسجد من مساجد البلد.
قال الشيخ مشهور حسن وفقه الله: وإن الأذان عن طريق مسجلات الصّوت فيه محاذير كثيرة ، منها :
1ـ تفويت الأجر و الثواب على المؤذّنين، وقصره على المؤذّن الأصلي .
2ـ فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرت الصلاة، فليؤذّن لكم أحدكم ، و ليؤمكم أكبركم .
3- إنّ فيه مخالفة للمتوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنّة الأولى من الهجرة وإلى الآن، بنقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصّلوات الخمس ، في كل مسجد ، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد .... وبناء على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي ، المنعقد بدورته التاسعة ، في مكة المكرمة ، من يوم السبت 12/7/1406هـ قرر ما يلي :
إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة ، بواسطة آلة التسجيل ونحوها ، لا يجزىء ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع ، وأنه يجب على المسلمين ، مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات ، في كلّ مسجدٍ ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن. انتهى باختصار.
وما ذكرته من النقول يؤيد ما ذهبنا إليه ودللنا عليه، والذي ينبغي هو مناصحة المسؤولين بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يبين لهم أن الذي ينبغي هو ترك المسلمين يؤذنون على ما هو معهود عبر العصور، ومن لم يقدر على المناصحة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
والله أعلم.