عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ )

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما معنى قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ ) ، أرجو الإجابة بالتفصيل إن أمكنكم ذلك .

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

الحمد الله

أولا :

يقول الله تعالى :

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ) البقرة/228

في هذه الآية بيان لعدة المطلقة المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء ( أي يأتيها الحيض وليست من ذوات الحمل ) ، فتتربص وتقعد عدتها ثلاثة قروء ، أي حيضات أو أطهار ، على خلاف بين أهل العلم ، ولما كانت مستأمنة على أمر حيضها وطهارتها وانقضاء عدتها ، حذرها الله تعالى من محاولة كتم ذلك أو تحريفه رغبة في تطويل العدة أو تقصيرها ، فقال سبحانه وتعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )

ثم أعطى الله تعالى الزوج حق إرجاع زوجته أثناء العدة إن لم تكن قد بانت ، فقال سبحانه :

( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً )

هذا تفسير موجز لسياق الآية السابقة ، كان لا بد من بيانه ، حتى يفهم السياق كاملا .

ثانيا :

بعد ذلك قرر سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة من قواعد الحياة الزوجية ، وتعتبر أساسا من أسس التعامل بين الزوجين ، ومن الأركان العظيمة في قيام الأسر على العدل والرحمة .

فقال سبحانه وتعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

يقول ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (1/363) :

" أي : ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف .

كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع :  ( فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ )  

وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال :

يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا ؟

قال : ( أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ ، وَلا تُقَبِّح ، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ ) [2142، وصححه الألباني ] .

وقال وكيع عن بشير بن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس قال :

( إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة ؛ لأن الله يقول ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم " انتهى .

ثالثا :

هذا هو المعنى العام للآية ، أن للنساء من الحقوق مثل ما للرجال عليهن من الحقوق ، ولكن ما معنى هذه المثلية ( وَلَهُنَّ مِثلُ ) ، هل تعني التماثل التام بين الأزواج في الحقوق ؟

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/642) : 

" والمثل أصله النظير والمشابه : وقد يكون الشيء مثلا لشيء في جميع صفاته ، وقد يكون مثلا له في بعض صفاته ، وهي وجه الشبه .

وقد ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق : أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا ؛ لأن مقتضى الخلقة ، ومقتضى المقصد من المرأة والرجل ، ومقتضى الشريعة ، التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة .

فتعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال تُبَيِّنُهُ تفاصيل الشريعة :

فلا يُتَوَهَّم أنه إذا وجب على المرأة أن تَقُمَّ – أي تنظف - بيت زوجها وأن تجهز طعامه أنه يجب عليه مثل ذلك ، كما لا يُتَوَهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته أنه يجب على المرأة الإنفاق على زوجها ، بل كما تقم بيته وتجهز طعامه ، يجب عليه هو أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال ، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده ، وأن يتعهده بتعليمه وتأديبه ، وعلى هذا القياس " انتهى .

رابعا :

بناء على ما ذكرناه في معنى المثلية ، فالحقوق والوجبات التي على الزوجين تنقسم إلى قسمين :

1- حقوق وواجبات يتساوى فيها كل من الزوجين تساويا تاما : مثل إحسان المعاشرة ، وقصر الطرف عن غير ما أحل الله لهما ، والمماثلة في وجوب الرعاية ( الرجل راع على أهله والمرأة راعية في بيت زوجها ) ، والتشاور في الرضاع ، ونحو ذلك .

2- وحقوق وواجبات تكون بين الزوجين على وجه المقابلة ، كل بحسب ما قضاه الله عليه بمقتضى الفطرة والخلقة والشرع والحكمة ، ومرجع ذلك إلى الشريعة وتفاصيلها ، كما تقرره السنة المطهرة ، وبحسب أنظار المجتهدين .

ويدل على هذا التقسيم قوله تعالى في الآية ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ )

يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله ، في "التحرير والتنوير" (1/643) :

" وفي هذا الاهتمام مقصدان :

أحدهما : دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق ، توهما من قوله آنفا ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .

وثانيهما : تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص ؛ لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متَّبَعا في الجاهلية . 

وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم :

من الإذن بتعدد الزوجة للرجل دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى ، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية ، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر .

ومن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة والمراجعة في العدة كذلك ، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل .

وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل ؛ لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين من ذلك الجمع ، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف ، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة ؛ ولأنه مظنة الصواب غالبا ، ولذلك إذا لم يمكن التراجع واشتد بين الزوجين النزاع لزم تدخل القضاء في شأنهما ، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية ( وإن خفتم شقاق بينهما ) " انتهى .

وللاطلاع على تفاصيل هذه الحقوق والوجبات ، انظر سؤال رقم (10680) فستجد فيه تفصيلا مفيدا إن شاء الله .

خامسا :

المرجع في تحديد هذه الحقوق والواجبات هو ( المعروف ) كما ذكرت الآية ، وفي هذه الكلمة دلالات عظيمة ، وإشارات إلى أمور كثيرة :

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة .

ومرجع الحقوق بين الزوجين ويرجع إلى المعروف وهو : العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله ، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص والعوائد .

وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف فهذا موجب العقد المطلق ، وأما مع الشرط فعلى شرطهما ، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " انتهى .

ويقول ابن عاشور (1/643) : " وقوله ( بالمعروف ) الباء للملابسة ، والمراد به : ما تعرفه العقول السالمة المجردة من الانحياز إلى الأهواء أو العادات أو التعاليم الضالة ، وذلك هو الحسن ، وهو ما جاء به الشرع نصا أو قياسا أو اقتضته المقاصد الشرعية أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها ، والعرب تطلق المعروف على ما قابل المنكر .

أي : وللنساء من الحقوق مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا وعقلا ، وتحت هذا تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة ، وهي مجال لأنظار المجتهدين في مختلف العصور والأقطار .." انتهى .

سادسا :

دين الإسلام حري بالعناية بإصلاح شأن المرأة ، وكيف لا وهي شقيقة الرجل ، والمربية الأولى في المجتمع ، فلذلك شرع من قواعد العدالة ما لم يكن معروفا على وجه الأرض في شريعة ولا في قانون ، فسبق إليه الإسلام الحنيف ، وجاء بإصلاح حال المرأة ورفع شأنها ؛ وارتقى بها من متاع يرثه الرجال ، كما يرثون سائر المال والمتاع ، فجعلهن شقائق الرجال ، لهن مثل الذي عليهن من الحقوق والواجبات ، لا يضيع لهن عمل ولا سعي ، ودروهن في النهوض بالأمة ، عامة ، وببيتها خاصة لا يقل عن دور الرجل بحال !!

والله أعلم .