عنوان الفتوى : النصيحة للمسلم لازمة على قدر الطاقة
أحد أصدقائي القدامى والذي كان مقربا مني وقد تركت صحبته، جاءني في أحد الأيام واستأمنني على شيء ـ لما سمعته كاد أن يغشى علي ـ قال لي بالنص: أنا شاذ جنسيا فأرجوك ساعدني على التخلص من هذه الصفة ـ فتركت صحبته وأهملت مساعدته، ولكنه حملني أمانه، فقلت يجب أن أساعده، فما هو الجواب؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دام هذا الشخص قد قصدك لمساعدته على التخلص من هذه المنكرات واستنصحك في التخلص منها فالظاهر وجوب ذلك عليك ـ إن كنت قادرا على نصحه ولم تخش ضررا ـ فقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، فقال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
وقد أمر بالنصيحة لعموم المسلمين، فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وعليه، فإن النصيحة واجبة على المسلم لأخيه المسلم لا يسعه تركها متى قدر عليها، جاء في شرح النووي على مسلم: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. انتهى.
وقد ذكر أهل العلم أن إعانة المسلمين على الخير بالقول والفعل مما يدخل تحت نصيحتهم، فقد جاء في شرح النووي على مسلم: وأما نصيحة المسلمين ـ وهم من عدا ولاة الأمر ـ فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غشهم وحسدهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم من يكره لنفسه من المكروه والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة وتنشيط همهم إلى الطاعات. انتهى.
فإذا انضم إلى ذلك أنه قد جاء يطلبها منك فقد زاد الأمر تأكدا وتحتما، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم ست: قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مات فاتبعه.
جاء في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: وإذا استنصحك ـ أي طلب منك النصح وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل ـ فانصح له وجوباً عليك بأن تذكر له ما به صلاحه، وطلبه ليس شرطاً لوجوب بذله أو ندبه، لأنه يجب تارة ويندب أخرى لمن طلب ومن لم يطلب، فذكره إنما هو لإفادة أن تأكده بعد الطلب أكثر. انتهى.
وفي التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: وإذا استنصحك فانصح له وجوبا وابذل الجهد. انتهى.
فعليك أن تسارع بمد يد العون والنصيحة لهذا المسرف على نفسه وأن تساعده على التخلص من هذه المنكرات ما دمت تأمن على نفسك، أما إن خفت على نفسك أن يستدرجك للوقوع في هذه الفواحش، فحينئذ يجب عليك هجره والابتعاد عنه، لأن حفظ المرء لدينه مقدم على كل شيء.
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 70282، 43527، 66434.
والله أعلم.