عنوان الفتوى : الشذوذ الجنسي لدى الحيوان في منظار الشرع
رأيت برنامجا وثائقيا في التلفزيون مؤخرا عن الشذوذ الجنسي عند الحيوانات، وقال الباحثون ـ الذين استجوبهم البرنامج ـ إن هذه الظاهرة شائعة بين معظم الحيوانات الثدية، وخاصة الزرافة وبعض القردة، وأنا شخصيا رأيت خرفان العيد في السوق ـ وكلها ذكور ـ يصعد بعضها على بعض كأنها تحاول الجماع. ونحن نؤمن ـ كمسلمين ـ أن الشذوذ الجنسي ضد الفطرة التي خلقنا الله عليها والتي انحرف الإنسان عنها لكونه مخيرا لا مسيرا كالحيوانات، فكيف يعقل أن تنحرف هذه الحيوانات عن فطرتها الطبيعية؟ وهل هذا يعني أن الشذوذ ليس ضد فطرة هذه الحيوانات؟. المرجو الإجابة في أقرب الآجال وبالأدلة المقنعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فظاهرة ما يسمى: بـالشذوذ الجنسي لدى الحيوانات: ظاهرة تكلم عليها العلماء حديثا وقديما:
أما حديثا: فالأبحاث العلمية في هذا الشأن كثيرة متعددة ـ وإن كانت النتائج كلها ظنية وغير متجانسة في بيان سبب هذه الظاهرة.
فبعضها يقول: إن هذا بسبب خلل في الجينات.
وبعضها يقول: إن هذه الظاهرة قد تحدث ـ أحيانا ـ بين الذكور بسبب فقدان الإناث، فإذا وجدت الإناث اختفت.
وبعضها يقول: إن هذا يحدث بقصد اللعب والمرح فيظنها الإنسان شذوذا وليست كذلك.
وبعضها يقول: إن هذا يحدث على سبيل التجربة، وذلك لتحسين قدراتها الجنسية الخاصة عند معاشرة الإناث وغير ذلك كثير من الفروض والنظريات التي غالبا لا تستند إلى سبب علمي ظاهر, ولا يظهر أن فيها شيئا يقينيا.
أما قديما: فإن أهل العلم ذكروا في كتبهم هذه الظاهرة، جاء في تفسير القرطبي: وقد قيل: إن الحمار لا يؤكل لأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوط، فسمي رجسا.
قال محمد بن سيرين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار.
ذكره الترمذي في نوادر الأصول.
انتهى.
وما يعنينا في هذا المقام: هو بيان أنه ـ إن ثبت هذا، فمهما كانت أسبابه ـ فإنه لا إشكال فيه، لأن الحسن والقبح والحلال والحرام إنما هو في حق المكلف، أما أفعال البهائم، فإنها لا توصف بشيء من ذلك، لأنه لا تكليف عليها ولا عقل لها ـ نعم ـ لا تخلوا البهائم من نوع تمييز وإدراك وفطرة تهتدي به لمصالحها في حياتها، ولكنها فطرة متدنية ـ قطعا ـ عن فطرة الإنسان، بل لا تقارن بها ـ أصلا ـ وبالتالي، فلا توصف أفعالها ـ لا بقبح ولا حسن ولا معصية ولا ذنب ـ قال الرازي في المحصول: وثالثهما: أنه ذنب وهو المنهي عنه الذي تتوقع عليه العقوبة والمؤاخذة، ولذلك لا توصف أفعال البهائم والأطفال بذلك، وربما يوصف فعل المراهق به، لما يلحقه من التأديب على فعله.
انتهى.
والله أعلم.