عنوان الفتوى : حكم دفن الولد بجوار أحد والديه
ما العبرة في أن بعض الناس يقولون ندفن فلانا بجانب أمه أو بجانب والده؟ وهل هناك دليل على أن الميت إذا كان صالحا يعرف من بجانبه ويستأنس به؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن كل مسلم يجب أن يدفن في قبر بمفرده، ولا يجوز دفن أكثر من مسلم في قبر إلا لضرورة، كما بينا في الفتوى رقم: 57977.
ولا يجوز أن يدفن شخص مع أحد ـ أمه أو أبيه أو غيرهما ـ في قبر واحد إلا إذا لم يوجد قبر مستقل له، قال ابن قدامة في المغني: وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ, إلَّا لِضَرُورَةٍ.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: المشروع ـ بالاتفاق ـ أن لا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره.
انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وإذا أراد السائل بقوله: بجانب أمه أي ـ في قبر مستقل في المقبرة نفسها التي دفنت فيها أمه أو أقاربه، فهذا مشروع ولا حرج فيه، لحديث كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِي عَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ فأَمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً: أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ - قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِى يُخْبِرُنِى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِى وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي.
رواه أبو داود، وحسنه الحافظان: ابن الملقن: في البدر المنير، وابن حجر: في التلخيص الحبير.
وَلأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِزِيَارَتِهِمْ وَأَكْثَرُ لِلتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ.
انظر الموسوعة الفقهية الكويتية.
وأما عن معرفة الميت الصالح بمن بجانبه أو استئناسه به أو انتفاعه بالصالحين بجانبه أو تأذيه بأهل العذاب: فهذا من علم الغيب الذي لم نطلع فيه على دليل يثبته من الكتاب أو السنة، قال الشيخ ابن عثيمين: هذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع، أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاَ من السنة، وإن كان بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا.
والله أعلم.
انتهى من فتاوى: نور على الدرب.
ومن الأحاديث المشتهرة في هذا الباب ـ مع عدم صحتها ـ ما رواه أبو نعيم في الحلية: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء.
وهو حديث موضوع، كما بين ذلك العلماء، قال ابن حبان ـ رحمه الله ـ في كتاب المجروحين: هذا خبر باطل، لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انتهى.
وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني.
وراجع ـ حول الترغيب في الدفن بجوار أهل الصلاح ـ الفتوى رقم: 129101.
والله أعلم.