عنوان الفتوى : الجمع بين الصلاتين لأجل حضور المحاضرات

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا موجود في بريطانيا لغرض الدراسة وعندي مشكلة الصلاة حيث يجب علي الجمع بين صلاتي الظهر والعصر لعدم وجود وقت لصلاة العصر ولا أستطيع آخذ فرصة لصلاة العصر , مع العلم أني لا أقصر ؟ ولو صح الجمع فهل تكون الصلاة قصرا أو أربع ركعات لكل صلاة ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا :

الصلاة أمرها عظيم ، وشأنها كبير ، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها ، والترغيب في ذلك ،  والتحذير من التهاون فيه ، ما هو معلوم مشهور ، كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ : (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .

وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238 ،  والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .

وإذا تقرر هذا فينبغي أن تبذل الأسباب وتبحث عن الوسائل التي تتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها ، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة ، أو الاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر ، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة .

وينبغي الحذر من عدم الخروج للصلاة حياءً ، أو ضعفاً ، أو لعدم الرغبة في إظهار أنك مسلم ، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين ولا يحل له البقاء إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا  فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97- 99 .

ثانيا :

إذا بذلت الأسباب ولم تتمكن من أداء الصلاة في وقتها ، فلا حرج عليك في جمعها مع صلاة الظهر ، لما روى مسلم (705) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ . قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي : لا يدخل عليهم الحرج والمشقة .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع ؟

فأجاب : "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر ، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر ، وهذا زمن يزيد على الساعتين ، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة لأنه سيبقى معها زمن ، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة ، فإن تيسر فهو أحوط ، وإذا قُدِّر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر ، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر ، فتؤخر الظهر إلى العصر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر)، فقيل له في ذلك . فقال رضي الله عنه : (أراد - يعني : النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) . فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما ، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه وأساس هذا قوله تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى : (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) وقوله : (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) .

ثالثا :

يلزمك أداء الصلاة تامة غير مقصورة ؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم ، عند جمهور الفقهاء ، وراجع السؤال رقم (105443) .

ولا تلازم بين الجمع والقصر ، فقد يجتمعان كما في السفر ، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله ، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع ، مع انتفاء القصر ؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر .

والله أعلم .