عنوان الفتوى : الرؤية الشرعية في التيسير والأخذ بالأحوط
صديق قال لي ـ إن موقع: إسلام ويب، لا يسيرعلى نهج السنة ـ وأعطاني مثالا لذلك، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختارأيسرهما ما لم يكن إثما. وقال لي: إن نهجكم في الفتاوى أن تأخذوا بالأحوط وليس بالأيسر، ومثل لي بعدة أمثلة: مثل كشف وجه المرأة، وحتى حكم بيع القطط. وقال لي بالرغم أن في هذه المسائل ـ على سبيل المثال القطط ـ قولا لكل المذاهب الأربعة، مع قول حبرالأمة ابن عباس، فهم رموا بكل ذلك عرض الحائط وأخذوا بالمذهب الظاهري التماسا لمبدإ الأحوط وليس الأيسر، فما قولكم في ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا نقول أولا: إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وقد جاء بذلك الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ويحسن أن نذكر بعض ما قال أهل العلم في معناه، قال العيني في كتابه عمدة القاري: قوله: ما خير بين أمرين إلا اختارأيسرهما. يريد في أمر دنياه، لقوله ـ ما لم يكن إثماـ والإثم لا يكون إلا في أمر الآخرة، قال الكرماني: كيف خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما إثم؟ ثم أجاب بقوله: التخيير إن كان من الكفار فظاهر، وإن كان من الله تعالى أو من المسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها، فإن المجاهدة بحيث تنجر إلى الهلاك غير جائزة.
وقال عياض: يحتمل أن يخيره الله تعالى فيما فيه عقوبتان ونحوه، وأما قوله ـ ما لم يكن إثماـ فيتصور إذا خيره الكفار.هـ.
إذن فهذا الحديث لا دلالة فيه على مشروعية الأخذ بالقول الأيسر مطلقا دون نظر إلى مرجحات أحد القولين على الآخر؛ إذ لوكان الأمر كذلك لما كان هناك داع لمعرفة المرجحات، بل يلزم على هذا حذف مباحث الترجيح من أصول الفقة.
ثم من الثابت أن هذا الدين يسر، وأن الشريعة جاءت برفع الحرج وهو مقصد من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها وقد بنيت عليه كثير من الأحكام الفقهية، وقد ذكرنا جملة من أدلة التيسير ورفع الحرج في الشرع وذلك بالفتوى رقم 74704.
ولكن ليس المرجع في التيسير هو أهواء الناس، إذ لا يجوز الأخذ بالأيسر إذا جاء مخالفا لأحكام الشرع، ولا يجوز لنا أن نفتي بقول يخالف الدليل ـ وإن قال به بعض العلماء.
وأما قوله: إن نهجكم في موقعكم هو أنكم تأخذون بالأحوط، فنقول فيه: إننا قد بينا بكثير من الفتاوى نهجنا في الإفتاء، ويمكن أن نحيل منها على الفتاوى التالية أرقامها: 69581 ، 33518، 22543. فنحن لم نقل إن من نهجنا الأخذ بالأحوط دائما، ولو كان هذا من منهجنا لذكرناه والتزمناه في جميع المسائل ولكننا لم نذكره ولم نلتزمه.
ولكن قد نشير للسائل بالأخذ بالأحوط ـ وإن كنا نرى أن الراجح في خلافه ـ من باب الاحتياط للدين، أو يكون الخلاف قويا ولم يتبين لنا الراجح فنذكر للسائل أن الأولى الأخذ بالأحوط خروجا من الخلاف، وقد ذكرالعلماء في القواعد الفقهية أن الخروج من الخلاف مستحب، وممن ذكر ذلك السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر، حيث قال: القاعدة الثانية عشرة: الخروج من الخلاف مستحب وفروعها كثيرة جدا.
تنبيه: لمراعاة الخلاف شروط:
أحدها: أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر, ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله ولم يراع خلاف أبي حنيفة، لأن من العلماء من لا يجيز الوصل.
الثاني: أن لا يخالف سنة ثابتة، ومن ثم سن رفع اليدين في الصلاة ولم يبال برأي من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية، لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو خمسين صحابيا.
الثالث: أن يقوى مدركه، بحيث لايعد هفوة، ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ولم يبال بقول داود: إنه لا يصح.هـ.
وأما مسألة بيع الهر والتي ذكرها صديقك فلعله يشير إلى الفتوى رقم: 18327، ولكنه لم يكن دقيقا فيما ذكر، فقد ذكرنا فيها أن القول بتحريم بيعه قول الظاهرية وأنه حكاه ابن المنذرعن أبي هريرة ومجاهد وجابر بن زيد، وحكاه المنذري عن طاووس فهو ـ إذن ـ ليس قول الظاهرية فقط، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإننا ذكرنا أن القول بالمنع هو الراجح لقوة دليله، لا لكونه الأحوط، فيمكن مراجعة الفتوى المذكورة وكذلك الفتوى رقم: 123911.
وأما بالنسبة لمسألة تغطية الوجه، فإننا نفتي فيها بالوجوب، لقوة أدلة من ذهب إلى ذلك، لا لمجرد كونه الأحوط، ويمكن أن تراجع فتوانا رقم: 4470، وقد نذكر ـ بعد ترجيح الوجوب لقوة أدلته ـ أن الأخذ به هو الأحوط، وانظر الفتوى رقم: 62866.
والله أعلم.