عنوان الفتوى : هل تجب زكاة فطر الأبناء على أمهم إذا تكفلت بنفقتهم طوال شهر رمضان
هل يجوز للأم أن تخرج زكاة الفطر عن أبنائها البالغين وبناتها وأحفادها منهم، علماً أن بناتها وأحفادها منهن كن يفطرن يومياً عندها، وكانت تتحمل تكلفة أكلهم وشربهم، وكذلك أبناؤها وزوجاتهم يعيشون معها في نفس البيت، وهي التي تتحمل نفقات أكلهم وشربهم في رمضان وغيره من الشهور، ولا يساهمون هم إلا بالشيء القليل فيما يخص مأكلهم ومشربهم، بل تتحمله هي عنهم وعن زوجاتهم وهي التي تعيلهم، لكونهم مديونين ولا يستطيعون الإنفاق إلا القليل مما يبقى من رواتبهم. علماً بأن جميع الأبناء وبعض البنات يعملن؟ وهل المقصود بحديث زكاة الفطر بكلمة "يمونه" أي يعوله. فهل يجوز أن تخرج عنهم زكاة الفطر على ما جرت العادة منذ كانوا صغاراً بما أنها لا زالت تعيلهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصدقة الفطر تجب على المسلم في ماله عنه وعمن يمونه، ومعنى يمونه أي تلزمه نفقته، فيجب على كل مسلم أن يؤدي زكاة الفطر عنه وعمن تلزمه نفقته إن فضل عن كفايته وكفايتهم ليلة العيد ويومه ما يمكنه إخراجه، على ما هو مبين في الفتوى رقم: 127115.
وإذا علم هذا فالأم يجب عليها أن تنفق على أولادها إذا كانوا معسرين ولا مال لهم ولا كسب يقوم بكفايتهم، وهذا إذا لم يكن أبوهم حياً أو كان معسراً.
قال ابن قدامة رحمه الله: يجب على الأم أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي.. فإن أعسر الأب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه. انتهى بتصرف.
وإذا علم أن صدقة الفطر تابعة للنفقة، فمن وجبت نفقته وجبت فطرته، فإن كانت نفقة هؤلاء الأولاد واجبة على أمهم، فعليها أن تخرج عنهم صدقة الفطر، وأما بناتها فنفقتهن على أزواجهن، ولا يلزمها إخراج فطرة زوجات أولادها.
قال النووي رحمه الله: وأما زوجة الابن المعسر فلا تجب نفقتها ولا فطرتها على الأب؛ لأنه لا يجب إعفافه وإن وجبت نفقته، وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وسائر الأقارب غير الأصول والفروع فلا تجب نفقتهم ولا فطرتهم. (وأما) الأصول والفروع فإن وجبت نفقتهم بشروطها المعروفة في كتاب النفقات وجبت فطرتهم ومن لا فلا، فلو كان الابن الكبير في نفقة أبيه فوجد قوته ليلة العيد ويومه فقط لم تجب فطرتة على الأب لسقوط نفقته عنه في وقت الوجوب ولا على الابن لإعساره. انتهى.
وأما إذا كان هؤلاء الأولاد يجدون ما تحصل به كفايتهم من مال أو كسب كما هو الظاهر، وكانت هذه الأم تنفق عليهم من باب الإحسان والتبرع توسعة عليهم وإعانة لهم على قضاء ديونهم، فليست فطرتهم واجبة عليها، وإنما يجب على كل واحد منهم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته، فإن تبرعت الأم بإخراجها جاز ذلك، إذا وكلها أبناؤها في إخراجها، أو أعلمتهم بأنها ستخرجها عنهم لتحصل منهم النية الواجبة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن صدقة الفطر تلزم الأم في الحال المذكورة لكونها تبرعت بنفقتهم طول شهر رمضان.
جاء في منار السبيل في شرح الدليل من كتب الحنابلة: وتجب على من تبرع بمؤنة شخص شهر رمضان. نص عليه، لعموم حديث: أدوا صدقة الفطر عمن تمونون. وروى أبو بكر عن علي، رضي الله عنه زكاة الفطر عمن جرت عليه نفقتك وعنه: لا تلزمه في قول الأكثر، واختاره أبو الخطاب، وصححه في المغني، والشرح، وحمل نص أحمد على الاستحباب.
وننبه أخيراً إلى أن حديث: أدوا صدقة الفطر عمن تمونون. وإن حسنه بعض أهل العلم لكن الراجح ضعفه.
قال النووي رحمه الله: حديث ابن عمر الأول في الصحيحين إلا قوله (ممن تمونون) فرواه بهذه اللفظة الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف، قال البيهقي إسناده غير قوي، ورواه البيهقي أيضاً من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرسل أيضاً. فالحاصل أن هذه اللفظة (ممن تمونون) ليست بثابتة. انتهى.
والحجة في هذا الباب القياس مع عمل الصحابي.
قال العراقي رحمه الله في طرح التثريب: ثم إن المعتمد القياس على النفقة مع ما انضم إلى ذلك من فعل ابن عمر راوي الحديث ففي الصحيحين عنه أنه كان يعطي عن الصغير والكبير. انتهى.
والله أعلم.