عنوان الفتوى : حكم العمل في البنوك في غير أقسام الربا، والعمل عند مَنْ مصدر ماله فيه حرام

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أعمل كموظف استشاري للرهن في بنك " أتش أس بي سي " في بريطانيا ، ووظيفتي هي أنني أقوم بالتبيين للناس ما هو أفضل نسبة للربا ، وما هو أفضل طريقة للرهن ، أعرف أن هذا الأمر حرام , لكني سألت إمام المسجد عندنا فقال لي : " ابق في عملك حتى تجد عملا آخر " ، فهل أستطيع أن أعمل في قسم الأمانات حيث إن المعاملات هناك شرعية , أم هذا يعد مساعدة على الإثم والعدوان ؛ ذلك لحرمة البنوك ككل ؟ . فهل أعمل معلِّما في مدرسة ، مع العلم أن المدارس أيضاً تستدين المال ، وتأخذ القروض ؟ ، وما حكم من أخذ المال الحرام دون أن يعلم بحرمته ؟ يعني : رجل ماله كله بالحرام مثل الخمر ، والربا ، وغيره , وأراد أن يشتري طعاماً من أحد المطاعم , فهل يكون المال الذي دفعه ثمناً للطعام حرام في حق البائع صاحب المطعم ؟ وما حكم جمعيات ، أو منظمات الزكاة التي تقوم بطلب الزكاة من أموال الناس , ولا يوجد عندها فكرة عن حل أو حرمة المال الذي يأتيها ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولاً:

البنوك الربوية مؤسسات قامت على معصية هي من كبائر الذنوب ، وهي الربا ، فلا يجوز لأحدٍ من المسلمين إعانتها بشيء يقويها على عملها ، ولا يجوز لأحدٍ أن يكون موظفاً فيها ، ولو في قسم لا يباشر الربا المحرَّم ؛ لأن المؤسسة تقوم على جميع موظفيها ، وكافة أقسامها، وفي ذلك دعاية لها وتقوية لها ، ومساعدة لها على التعامل بالربا .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل يجوز للإنسان العمل في بنك يتعامل بالربا ، مع أنه لا يقوم في البنك بعمل ربوي ، ولكن دخل البنك الكلي ربا ؟ .

فأجابوا :

"لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعاملُه بالربا ، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم في البنك غير ربوي ؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ، ويستعينون به على أعمالهم الربوية ، وقد قال تعالى : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 41 ) .

وانظر جواب السؤال رقم : ( 26771 ) وفيه تحريم جميع أنواع الأعمال في البنوك ، ولو كان الموظف سائقاً ، أو حارساً ، كما فيه بيان أنه لا فرق بين دولة مسلمة وكافرة في هذا الأمر .

واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، فلا تطلب رزقك بما حرَّم الله عليك ، فاحرص على اللقمة الطيبة الحلال ، والكسب المبارك المشروع ، ولو تأخر حصولك على العمل المباح ، وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، فاحرص على النجاح فيها ؛ لتكسب أعلى وأرفع الدرجات في الآخرة .

وانظر – للمزيد حول هذا – جواب السؤال رقم : ( 110557 ) .

ثانياً:

يجوز لك العمل في مدرسة – موظفاً ، أو مدرِّساً – ولو كانت المدرسة تقترض قروضاً ربوية .

وقد عرف اليهود بالربا ، والرشوة ، وأكل السحت ، ولم يمنع هذا عليّ بن أبي طالب من العمل عندهم .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ : صحَّ ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره" انتهى .

" المغني " ( 4 / 333 ) .

ثالثاً:

المال الحرام قسمان : حرام لذاته ، كالمال المغصوب والمسروق ، وحرام لكسبه ، وهو ما يكسبه من يعمل في مكان محرَّم ، أو يتاجر فيما لا يحل له .

فالمال المحرَّم لذاته يجب إرجاعه إلى صاحبه ، ولا يجوز لمن علم أنه مغصوب أو مسروق أن يبيع به شيئا لسارقه ، فإذا علم البائع أن المشتري سيشتري بالمال الذي سرقه فلا يجوز له أن يبيع له شيئاً .

أما المال المحرم لكسبه فهو حرام على من اكتسبه بطريق محرم فقط ، أما من انتقل إليه هذا المال بطريق مباح ، فلا حرج عليه من الانتفاع به ، كمن أخذه على سبيل الهدية ، أو أجرة على عمل مباح ، أو ثمن شيء باعه له ... ونحو ذلك .

وعليه : فإذا كان المال حراماً لذاته : فلا يجوز لصاحب المطعم أن يبيع شيئاً لمن يشتري بذلك المال ، وإذا لم يعرف حال المال الذي مع المشتري : فليس عليه شيء لو باعه ، وليس من شرع الله تعالى سؤال المشترين من أين لك هذا المال ، وكيف اكتسبته ؟

وإذا علم صاحب المطعم أن المال الذي مع صاحبه كان كسبه له محرَّماً : جاز له بيع الطعام له من غير حرج .

ومثله يقال في الجمعيات التي تأخذ الزكاة من الناس ، فما علمت أنه محرم لذاته لم تأخذه ابتداء ، أو تأخذه وترده لأصحابه إن كانوا معلومين ، أو تأخذه وتنفقه في وجوه الخير المتنوعة ، إن لم يمكن رده إلى أصحابه ، وما لم تعلم عن حاله : فالأصل براءة ذمة الناس ،  وأنهم يملكون ما في أيديهم من المال ، وخاصة من جاء ليبذل زكاته ، ولا يشرع لتلك الجمعيات أن تسأل المتصدقين عن مصدر الأموال التي يتصدقون بها .

والله أعلم