عنوان الفتوى : ذكر إسحاق وسارة بدلا من إسماعيل وهاجر في هذه الرواية الإسرائيلية من تحريف اليهود
ملاحظة للسائل وهي: أن نص الحديث يحتوي على خطإ وهو: ذكر سيدنا إسحاق، والصواب أنه سيدنا إسماعيل وكذلك ذكر السيدة سارة، والصواب السيدة هاجر؟. حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية أخبره أن كعباً قال لأبي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال أبو هريرة: بلى، قال كعب: لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق قال الشيطان: و الله لئن لم أفتن عندها آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه قال: فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة امرأة إبراهيم فقال لها: أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت سارة: غدا لبعض حاجته، قال الشيطان: لا و الله ما غدا لذلك، قالت سارة: فلم غدا به؟ قال: غدا به ليذبحه، قالت سارة: وليس في ذلك شيء لم يكن ليذبح ابنه، قال الشيطان: بلى والله، قالت سارة، و لم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، فقالت سارة: فقد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك، فخرج الشيطان من عند سارة حتى إذا أدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه فقال: أين أصبح أبوك غادياً؟ قال: غدا بي لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ولكنه غدا بك ليذبحك، قال إسحاق: فما كان أبي ليذبحني، قال: بلى ،قال: لم؟ قال: زعم أن الله أمره بذلك، قال إسحاق: فو الله إن أمره ليطيعنه، فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال: أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال: غدوت لبعض حاجتي قال: لا و الله ما غدوت به إلا لتذبحه، قال: و لم أذبحه؟ قال: زعمت أن الله أمرك بذلك، قال: فو الله لئن كان الله أمرني لأفعلن، قال: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه و سلم إسحاق، عافاه الله و فداه بذبح عظيم، قال إبراهيم لإسحاق: قم يا بني فإن الله قد أعفاك، وأوحى الله إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها، قال إسحاق: فإني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين و الآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. قال الحاكم: سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن مانع الأحبار و لو ظهر فيه سند لحكمت بالصحة على شرط الشيخين، فإن هذا إسناد صحيح لا غبار عليه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصواب أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر، وهما اللذان كانا بمكة وقت أمر الله الخليل بذبح ابنه، وأما إسحاق وأمه سارة فلم يكونا بمكة، وليس هو الذبيح على الراجح من أقوال أهل العلم، والأثر المذكور عن كعب الأحبار هو من الإسرائيليات التي تخالف ظاهر القرآن، فكعب ـ رحمه الله ـ من التابعين وقد كان يهوديا فأسلم، وقد كان يحدث عن التوراة، ومعلوم أن أكثرها محرف ومبدل، فهذا كأنه من تبديل اليهود وتحريفهم، فقد ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لآية الصافات ـ 99-100ـ حديثا مشابها للسابق وفيه أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، ثم قال ابن كثير: الأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل، وإنما حرفوه بإسحاق، حَسَدًا منهم كما تقدم، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة، حيث كان إسماعيل لا إسحاق ـ عليهما السلام ـ فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. انتهى.
و قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في منهاج السّنّة : وكلّ من قال: إنّه إسحاق، فإنّما أخذه عن اليهود أهل التّحريف والتّبديل، كما أخبر اللّه تعالى عنهم.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وَأَمّا الْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ ـ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ ـ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ إنّمَا هُوَ مُتَلَقّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ أَنّهُ بَاطِلٌ بِنَصّ كِتَابِهِمْ فَإِنّ فِيهِ ـ إنّ اللّهَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ وَفِي لَفْظٍ وَحِيَدَهُ ـ وَلَا يَشُكّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنّ إسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ، وَاَلّذِي غَرّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ فِي التّوْرَاةِ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ ـ اذْبَحْ ابْنَك إسْحَاقَ ـ قَالَ وَهَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، لِأَنّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ اذْبَحْ بِكْرَك وَوَحِيدَك وَلَكِنّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشّرَفِ وَأَحَبّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَأَنْ يَسُوقُوهُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ، وَيَأْبَى اللّهُ إلّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ. وانظر تمام الكلام لفائدته.
وبهذا يتبين للسائل أن ما قرأه ليس مجرد خطإ في الطباعة ونحوها، بل هو قول قديم لكنه خلاف الصواب كما أسلفنا.
والله أعلم .