عنوان الفتوى : فرق كبير بين تمني الموت والتفكير في الانتحار

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

توفي والدي، ومن شدة حزني عليه وشوقي له تمنيت الموت ـ وكنت أسمع أحيانا عن أشخاص يموتون من شدة حزنهم على فراق أعز الناس لديهم ـ تمنيت الموت في سري، ولكنني لم أفكر في الانتحار أبدا ـ وهناك فرق ـ كنت فقط أستعجل الموت وأفكر في لو أني أموت بقبض روحي فجأة من ملك الموت، كأن أنام ليلا فأموت، أو كأن أمشي في سلام في الطريق فتدهسني سيارة، أو يسقط علي الله شيئا من السماء فألقى ربي وألقى والدي في حياة البرزخ أيضا، أحيانا أتراجع عن هذا التفكير لكي لا أترك المسؤولية ورائي لمن لايحتملها، فأنا أكبر أشقائي، هل أحساب على هذا التفكير عموما؟ وهل هناك فرق بين التفكير في الانتحار وتمني أو استعجال الموت بقضاء من الله فقط؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يرحم والدك، وأن يرزقك الصبر والاحتساب، ومصيبة فقد أحد الوالدين عظيمة، ولكنها سنة الله في الخلق، فما أتينا هذه الدنيا للبقاء، ولكن أتيناها للاختبار من أجل الحياة الدائمة بعد ذلك، والدنيا دار ابتلاء كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 51946.

فعليك أخي أن تصبر وتتصبر، واصرف هذه الهمة لعمل صالح ينفعك ويصل ثوابه إلى والدك، كما بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 3612، 10602، 33828، فراجعها، وأما تمني الموت فمنهي عنه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي. رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر رحمه الله: قَوْله: فَلْيَقُلْ إِلَخْ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّهْي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت مُقَيَّد بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَة، لِأَنَّ فِي التَّمَنِّي الْمُطْلَق نَوْع اِعْتِرَاض وَمُرَاغَمَة لِلْقَدْرِ الْمَحْتُوم، وَفِي هَذِهِ الصُّورَة الْمَأْمُور بِهَا نَوْع تَفْوِيض وَتَسْلِيم لِلْقَضَاءِ. انتهى.

وقد سبق تفصيل حكم تمني الموت في الفتوى رقم: 31194، فراجعها.

فإن كان هذا التمني مجرد أفكار وأحاسيس وحديث نفس ولم تسأل الله الموت أو تقدم على ما من شأنه أن يسبب وفاتك، فهذا معفو عنه ـ إن شاء الله تعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ. رواه البخاري ومسلم.

ولكن لا ينبغي الاسترسال مع هذا التفكير فعاقبته غير مأمونة وقد يجرك إلى ما لا تحمد عقباه.

وبين التفكير في الانتحار وتمني أو استعجال الموت بقضاء من الله فرق كبير، فالانتحار من كبائر الذنوب التي يجب أن يتنزه عنها المسلم الموقن بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، فالتفكير في الانتحار تفكير في فعل كبيرة، وقد ذكرنا حكم الانتحار بأدلته في الفتوى رقم: 10397، فراجعها.

وأما تمني الموت المطلق فقد سبق أنه منهي عنه ولكنه لا يصل إلى حد الكبائر، وفي الحديث السابق المخرج من الوقوع في هذا الإثم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي.

واتق الله أخي الكريم، واصبر على قضائه، وتذكر موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فمصيبة المسلم بموته فيها عزاء عن كل مصيبة، وفي الموطأ للإمام مالك رحمه الله مرسلا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ الْمُصِيبَةُ بِي. وفي الطبقات لابن سعد مرسلا أيضا: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب. والحديث صححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة.

ثم تذكر مسئوليتك عن إخوتك واحتسب فيها صلة الرحم وبر أبيك بعد موته، والله يرزقنا وإياك حسن الصبر، والله الموفق.

والله أعلم.