عنوان الفتوى : لتحصيل الربح أسباب شرعية ومادية
سوّغ رجل محلاّ لممارسة التجارة كان يستغل لشرب الخمر والقمار. يشكو هذا الرجل، الذي يقوم بواجباته الدينية، قلّة الربح بالرغم من أنّه يبيع كثيرا ويقوم بقضاء دائنيه. هذا الرجل يسأل إن كان الفساد الذي كان يمارس في المحل سبب قلّة ربحه؟ وسأل عن السبل التي تجعله يحقق الربح الوفير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نعلم دليلاً شرعياً على أن الفساد السابق في المحل يكون سببا لقلة الربح، فإن تحصيل الربح له أسباب شرعية وأسباب مادية، أما الأسباب الشرعية فأهمها تقوى الله تعالى والتوكل عليه سبحانه والبعد عن المعاصي، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .{الأعراف:94-96} .
قال الشيخ السعدي : لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارا، وبالسراء استدراجا ومكرا، ذكر أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم الله، لفتح عليهم بركات من السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب . اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي مبينا آثار المعاصي: ومنها أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق بركته ولا بد، فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقص، وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي، وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق، فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده، وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده. قالوا: ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغني والفقر وإن كانت بقضاء الله عز وجل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها . اهـ .
وقد أحسن هذا الرجل بحفاظه على الواجبات الدينية وفي سداده لديونه، أما الأسباب المادية فليس موقعنا مختصاً ببيانها، وإنما ننصح هذا الرجل بعد تقوى الله تعالى أن يأخذ بالأسباب المادية من الاعتناء بجودة ما يشتريه، وشراء ما يحتاجه الناس، وأن يستعين في عمله بمن وثق بدينه وأمانته.
كما ننبه أن قلة الربح قد تكون أسلم له في دينه، فإن بعض الناس قد يزيده المال طغياناً وفجوراً، أو تشغله كثرة المال عن طاعة رب العباد، ونذكره بما في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: إذا نَظَرَ أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلى من هو أَسْفَلَ منه. وفي لفظ لمسلم: انْظُرُوا إلى من أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إلى من هو فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ. قال أبو مُعَاوِيَةَ: عَلَيْكُمْ. وبما رواه ابن ماجه عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة. وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة .
والله أعلم.