عنوان الفتوى : كيف تأمر ابنتك بلبس الحجاب
المشكلة تتعلق بابنتي التي تبلغ من العمر 13 عاما وقد بلغت حديثا: يحاول والدها أن يجعلها تلتزم بالحجاب إجبارا، وهو ما أحاوله أنا ولكن باللين وانتظار أن تقول هي نعم . نحن من عائلة ملتزمة، ونتيجة لمغامرات والدها وهو صغير حيث تربى بعيدا عن الدين والالتزام والاحتشام، فهو يخاف عليها وأعتقد أن هذا هو سبب محاولته إجبارها.هي قد وعدتنا أنها ستلتزم به في بداية شهر رمضان القادم إن شاء الله . ولكن والدها مصر على ارتدائها الحجاب الآن وخلال نهاية الأسبوع، و بالتالي اضطررت أن أخبره أنه خارج الموضوع وابنتي أتحمل مسؤوليتها الدينية أمام ربنا تعالى، وأنه لا شيء يأتي بالغصب. فهل أتحمل وزرا؟ أفيدوني أفادكم الله ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحجاب فرض لازم على البنت بمجرد بلوغها، ولا يجوز لها أن تؤخره، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 5413.
وإذا كان الأصوليون قد اختلفوا في الأمر هل هو للفور أو التراخي إلا أن هذا الخلاف لا يتأتى هنا ،لأن ترك الحجاب يستلزم التبرج، والتبرج محرم منهي عنه نهيا واضحا صريحا في قوله سبحانه: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. {الأحزاب: 33 }. وقوله سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا. {النور:31}. والنهي مقتضاه الفور.
جاء في إرشاد الفحول للشوكاني: الفور في النهي ضروري؛ لأن المطلوب الترك مستمرًا على ما مر، بخلاف الأمر. انتهى.
ولا يمكن الانتهاء عن التبرج إلا بفعل الحجاب، فوجب كون الحجاب مطلوبا على سبيل الفور.
جاء في التقرير والتحبير لابن أمير الحاج: الأمر نهي عن الأضداد وهو -أي النهي- للفور فيلزم فعل المأمور به على الفور ليتحقق امتثال النهي عنها. أي أضداد المأمور به. انتهى.
وعلى ذلك، فإن عليكم أن تأمروا ابنتكم هذه بالحجاب باللطف واللين ابتداء، وأن تعلموها أن هذا فرض متحتم عليها لا يسعها تركه, وأن ترغبوها فيه بكل سبيل، فإن أبت فعليكم أن تجبروها على لبسه عند أول خروج لها من البيت، أو ظهور لها أمام الأجانب، ولا يجوز لكم أن تؤخروا هذا لا إلى شهر رمضان كما تقول هي، ولا إلى نهاية الأسبوع كما يقول أبوها, فإن الأب يجب عليه أن يلزم أولاده بالطاعة وأن يجنبهم المعاصي ولو قسرا.
جاء في الفروع لابن مفلح : وظاهر كلامهم: يؤدب الولد ولو كان كبيرا مزوجا، منفردا في بيت، لقول عائشة لما انقطع عقدها وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بالناس على غير ماء: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي. ولما روى ابن عمر: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله: قال ابنه بلال: والله لنمنعن فسبه سبا سيئا وضرب في صدره.
قال ابن الجوزي في كتاب السر المصون: معاشرة الولد باللطف والتأديب والتعليم، وإذا احتيج إلى ضربه ضرب، ويحمل على أحسن الأخلاق ويجنب سيئها. انتهى بتصرف يسير.
أما قولك لزوجك إنه خارج الموضوع فهذا خطأ عظيم، مخالف للشرع والواقع، إذ كيف يكون الأب خارج الأمر وهو الراعي الأول للأسرة والمسؤول عنها أمام رب العالمين, فقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
وكيف يكون الأب خارج الأمر وقد خوطب من قبل الله سبحانه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. {التحريم : 6}.
قال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم. وقال بعض العلماء لما قال: قُوا أَنْفُسَكُمْ. دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه، كما دخل في قوله تعالى: وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ. فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام. انتهى.
فالواجب عليك أن تتقي الله سبحانه وتتوبي إليه مما كان منك، وأن تكوني عونا لزوجك على تنشئة أولاده على شعائر الدين وواجباته لا أن تكوني حجر عثرة أمامه.
والله أعلم.