عنوان الفتوى : ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره
أريد أن أتأكد من كسوة الناس يوم الحشر العظيم وكيف يكون عمر بن الخطاب في هذا اليوم، لأني رأيت في منامي أننا في يوم الحشر ويأتي عمر بن الخطاب ويكسوه ثوب طويل وعندما مر سأل الناس من صاحب الثوب الطويل قلت لهم عمر..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال الله تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ {الأنبياء:104}.
قال البغوي: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة اهـ.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا -كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين- ثم إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم. رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تحشرون حفاة عراة غرلا. فقالت: يا رسول الله ! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك. رواه البخاري ومسلم. وراجع في ذلك الفتويين: 28266، 32628.
ومقتضى هذا أن الناس يحشرون عراة كما ولدتهم أمهاتهم، لكن روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها. وصححه الألباني.
قَالَ ابْن الْقَيِّم: اِسْتَعْمَلَ أَبُو سَعِيد الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره . وَقَدْ رَوَى فِي تَحْسِين الْكَفَن أَحَادِيث. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الثِّيَاب الْعَمَل, كُنِّيَ بِهَا عَنْهُ, يُرِيد أَنَّهُ يُبْعَث عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَل صَالِح أَوْ سَيِّئ . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول: فُلَان طَاهِر الثِّيَاب, إِذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْس وَالْبَرَاءَة مِنْ الْعَيْب وَالدَّنَس, وَتَقُول: دَنِس الثِّيَاب إِذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَثِيَابك فَطَهِّرْ } وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَعَمَلك فَأَصْلِحْ وَنَفْسك فَزَكِّ. .. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْشَر النَّاس حُفَاة عُرَاة وَقَالَتْ طَائِفَة: الْبَعْث غَيْر الْحَشْر, فَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْبَعْث مَعَ الثِّيَاب, وَالْحَشْر مَعَ الْعُرَى وَالْحُفَاة. اهـ.
وقال ابن حجر: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضَهُمْ كَاسِيًا، أَوْ يُحْشَرُونَ كُلُّهُمْ عُرَاةً ثُمَّ يُكْسَى الْأَنْبِيَاءُ، فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَوْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْقُبُور بِالثِّيَابِ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا ثُمَّ تَتَنَاثَرُ عَنْهُمْ عِنْد اِبْتِدَاءِ الْحَشْرِ فَيُحْشَرُونَ عُرَاة ثُمَّ يَكُون أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمَ ، وَحَمَلَ بَعْضهمْ حَدِيث أَبِي سَعِيد عَلَى الشُّهَدَاء لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُزَمَّلُوا فِي ثِيَابِهِمْ وَيُدْفَنُوا فِيهَا، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو سَعِيد سَمِعَهُ فِي الشَّهِيد فَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمُوم. اهـ.
أما حال عمر بن الخطاب على وجه الخصوص يوم البعث، فلم نقف على شيء مخصوص فيه، ولكن إذا كان الناس يكسون هناك على قدر فضلهم ومنزلتهم عند الله، فلا يخفى أن أفضل البشر على الإطلاق بعد النبيين وأبي بكر، هو عمر رضي الله عنه.
والذي يظهر ـ والعلم عند الله ـ أن تأويل الثوب في هذه الرؤيا هو الدين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: قَالَ أَهْل الْعِبَارَة: الْقَمِيصُ فِي النَّوْم الدِّين, وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاء آثَاره الْجَمِيلَة وَسُنَنه الْحَسَنَة فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْد وَفَاته لِيُقْتَدَى بِهِ. اهـ.
والله أعلم.