عنوان الفتوى : المرأة إذا اشترطت عند الإحرام فحاضت فهل تتحلل
أحرمت للعمرة وقلت اللهم إني نويت عمرة فإن حبسني حابس فعمرتي مكان ما حبستني وجاءني الحيض ولم أذهب فهل علي شيء علما بأني دعوت على نفسي بعد إحرامي بأن يحبسني حابس؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطروء الحيض ليس مانعاً من إكمال النُسك، فإن عائشة رضي الله عنها حاضت بعدما أحرمت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصنع ما يصنع الحاج غير ألا تطوف بالبيت حتى تطهر، ولكن إذا كانت المرأة قد اشترطت عند إحرامها ثم حاضت، ولم تستطع إكمال النُسك بأن خشيت ذهاب رفقتها كان لها التحللُ، ولا شيء عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا حاضت قبل أن تطوف فإنها تبقى حتى تطهر ثم تطوف وتكمل العمرة إلا إذا كانت قد اشترطت عند الإحرام (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستنى)، فإنها في هذه الحالة تحلل وتخرج مع أهلها ولا حرج عليها. انتهى.
وقيد ذلك بعض العلماء بما إذا نوت أنها تتحلل إذا حاضت، وأما إذا لم تنو ذلك فليس لها التحلل، قال الشيخ ابن باز: إذا كانت اشترطت، فقالت: محلي حيث حبستني، يعني مقصودها من الحيض، يعني إذا أصابها الحيض تحل، فهذا لها الحل.. أما إذا ما قصدها هذا القصد تخاف أن يصيبها مرض أو نحوه فالحيض ليس بمانع حجت عائشة وأصابها الحيض قبل دخول مكة، وأمرها النبي أن تفعل ما يفعل الحجاج إلا الطواف، فالمقصود أنها إذا قالت: محلي حيث حبستني عند الإحرام، قالت: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، هذه إذا منعها مرض أو منعها عدو لها أن تحل، أما الحيض لا يعلم، لا يمنعها، لكن لو كانت تقصد الحيض جاءت للعمرة مثلاً، ومعها رفاق، فأحرمت للعمرة وقالت: إن حبسني حابس، ومقصودها حتى الحيض إن حبسها حتى تحل وترجع مع أصحابها، فهي على نيتها، أما الحيض ما يمنع الحج، ولو قالت: إن حبسني حابس، فالحيض تمضي في حجها، وإذا طهرت تطوف وتسعى والحمد لله. انتهى.
ولعل القول بأنها تتحلل إذا حاضت، إذا كانت قد اشترطت.. ولم تستطع إكمال النسك أقرب لأنه عذر منع من إكمال النسك فأشبه المرض، وقد سبق لنا ترجيح هذا القول في الفتوى رقم: 100930.
وأما إن كانت تستطيع إكمال النسك والانتظار حتى تطهر ولا تخشى فوات الرفقة، فذلك واجب عليها ولا يجوز لها التحلل من إحرامها والحال هذه... وبهذا يتبين لك حكم المسألة فإن كنت عجزت عن إكمال النسك بعد طروء الحيض نفعك شرطك ولا شيء عليك إذا تحللت، وأما إذا لم تكوني عاجزة عن إتمام النسك، بل تساهلت في الأمر وتحللت بلا سبب شرعي، فأنت لا تزالين باقية على إحرامك يلزمك قصد مكة، وأداء النسك ولا شيء عليك فيما فعلته من المحظورات في هذه الفترة لأجل الجهل والتأويل، وقد قال الله عز وجل: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:5}، فإن عجزت عن قصد مكة لإتمام النسك، فحكمك حكم المحصر تتحللين بذبح الهدي لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ {البقرة:196}، فإن عجزت فعليك صيام عشرة أيام ثم تتحللين بعدها قياساً على العاجز عن هدي التمتع.
وأما دعاؤك على نفسك وأن تحبسي عن إتمام النسك فلا شك في أنه جهل منك، وكان الأولى بك أن تسألي الله تيسير الطاعة، وتسهيل إتمام النسك لما في ذلك من المثوبة العظيمة والأجر التام، كما أن دعاءك هذا يستلزم تفضيل حصول الشر من المرض ونحوه، على إتمام العبادة وفعل العمرة وفيه الدعاء على النفس بالشر، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تدعوا على أنفسكم... الحديث. أخرجه مسلم.
والله أعلم.