عنوان الفتوى : تأخير الحمل بسبب عدم الاستقرار الأمني وضيق الرزق
اتفقت أنا وزوجي منذ بداية زواجنا على تأجيل فكرة إنجاب الأطفال لمدة عام تقريبا، وذلك لأسباب منها: عدم استعدادنا نفسيا لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة وخاصة أننا في مقتبل العمر، واعتقدنا أننا نحتاج إلى فترة لتحقيق التوازن في حياتنا الزوجية، والسبب الثاني والأهم هو: الحالة المادية السيئة حيث إننا في أول فترة من زواجنا لم نكن متمكنين ماديا، بل كنا غارقين في الديون التي اضطررنا لها لإتمام زواجنا، والآن بعد أن استقرت أحوالنا المادية والحمد لله بعد مرور سنة قررنا إنجاب الأطفال، ولكن شاءالله أن لا ينعم علينا بهم ونحن منذ ثمانية أشهر نحاول إنجاب الأطفال دون جدوى، رغم عدم وجود مشاكل صحية لدى كلينا.سؤالي هو: هل تأجيل فكرة الإنجاب حرام شرعا وتعد امتناعا عن تقبل نعمة الله، ورفض هذه النعمة، أم لا بأس بهذا التأجيل ؟ رغم أنني وزوجي -ويشهد الله- مؤمنان أن الأطفال نعمة ورزق من الله تعالى، وأن المولود يولد ويبعث الله رزقه معه، ولكننا ارتأينا الأخذ بالأسباب وخصوصا أننا نعيش في العراق وهو بلد يعاني من تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، وأخذنا كل ذلك في الحسبان، وشعرنا أن الوضع غير ملائم لتنشئة الأطفال على الأقل في الوقت الحالي. جاء تساؤلي هذا بسبب كلمات سمعتها من أهل زوجي تلومنا على هذا القرار وقالوا لنا: لأنكم منعتم رزق الله فسبحانه الآن يمنعه عنكم و يحرمكم منه. فهل كلامهم صحيح ؟ وهل هذا عقاب من الله بسبب قرارنا تأجيل الانجاب ؟هذا ولكم جزيل الشكر والامتنان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ابتغاء الذرية وإنجاب الأولاد هو من أسمى الغايات التي شرع من أجلها النكاح، روى النسائي عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب، إلا أنها لا تلد، أفتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم. حسنه الألباني.
والحديث يدل على أهمية كسب الولد وأن هذا مقصد من مقاصد الشريعة، إلا أنه إذا دعت مصلحة إلى تأخير حمل المرأة وكان ذلك برضا كل من الطرفين فلا حرج .
يبقى حينئذ النظر في حالتكم، فإن كان هذا القرار بسبب ما ذكرت من تدهور الأحوال الأمنية في بلادكم، وما يترتب على ذلك من عموم الخوف والحرمان من الأمن، ولم تكن هناك نية أخرى مخالفة فلا حرج حينئذ فيما قمتم به من تأخير الحمل، ولا يكون في ذلك مخالفة للشرع إن شاء الله.
ولكن الذي ظهر من كلامك أنه قد وجدت نية أخرى غير ما ذكرت وهي الخوف من الفقر وضيق الرزق, وهذا فيه ما فيه من سوء الأدب مع الرزاق ذي القوة المتين سبحانه وإساءة الظن به وضعف التوكل عليه, وقد يكون ما حدث لكما من تأخر الإنجاب بسبب ذلك الذنب, وإن كنا لا نجزم بذلك على كل حال، وليس لأحد أن يجزم بذلك لأن هذا من علم الله تعالى.
وقد بينا في الفتوى رقم: 16524 أن تأخير الحمل خوفا من ضيق الرزق لا يجوز.
فالواجب عليكم حينئذ المبادرة بالتوبة إلى الله جل وعلا واستغفاره, ونبشركم– إن أنتم فعلتم – برزق الله لكم فقد جعل الله سبحانه التوبة الصادقة واستغفاره من أسباب الرزق عموما ورزق الولد خصوصا مصداقا لقوله سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. {نوح:10, 11، 12}.
والله أعلم.