عنوان الفتوى : أحكام كشف أستار المسلم
لي صديقة تكبرني بسنوات عديدة ومشهود لها بالصلاح ولا أزكيها على الله تعالى, وهذه الصديقة رأت زوجة أخي مرات قليلة وأخذت عنها فكرة طيبة جدا من ناحية الخلق والتدين, زوجة أخي هذه حقا متدينة ولا أعرف ما هذه النوعية من التدين لأني أستغرب كيف تجمع بين إعطائها دروسا للآخرين وتعلم أولادها القرآن الكريم والتزامها بالحجاب وبين تقصيرها الكبير ناحية زوجها وأولادها وبيتها وبين صفات سيئة جدا بها والله يا أخي حقا أستغرب الكلام والشرح يطول جدا؟ المهم في سؤالي هو: أن صديقتي تلك التي تكلمت عنها آخذة فكرة عظيمة عن زوجة أخي, طبعا هي بعيدة عنها جدا, في بلد آخي, ولكن صديقتي هذه دائما تسألني عنها وتدعو بأن الله يكثر من أمثالها وأنا أحيانا أتحرج من كلمة آمين مقابل هذا الدعاء وتحكي عنها باختصار هي مخدوعة بها، المهم وما يهمني هنا, هل أفصح لها عن حقيقة زوجة أخي من كونها لا تقدم أي خدمة لوالدي العجوز الموجود عند أخي وتنكد على أخي وتترك البيت كثيرا وتزور صديقاتها بدون أن تنظف البيت أو تطبخ وتقصد إزعاج والدي من أجل أن تكرهه في الوجود عندهم والكثير الكثير من هذا القبيل وغيره, ما هذا التدين صدقا أكره من زوجة أخي هذه أن تحدثني عن الدين وعن حسن الخلق, فأقول في نفسي لم لا تطبق ما تقوله في نفسها. أرجو من الله تعالى إجابتي إجابة وافية لو تكرمت أخي الفاضل لأنني بحاجة فعلا لتلك الإجابة, هل أقول لصديقة حقيقة زوجة أخي,, أم علي إثم في ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد من التمييز بين الأمور التي تجري مجرى المعاصي والذنوب وبين غيرها مما يجرى مجرى المكروه وخلاف الأولى، فإن الأول فعله يوجب الذم والعقاب، أما الثاني فلا, وما ذكرته من حال زوجة أخيك بعضه حرام موجب للذم كما هو الحال في علاقتها بزوجها وإهمالها لحقوقه وحقوق بيته وأولادها، إن صح ما قلته عنها.
وأما خدمتها لوالد زوجها فلا تجب عليها، نعم يستحب لها ذلك ويطلب منها على سبيل الندب وفعل الأولى أما على سبيل الحتم فلا.
وعلى كل فلا يجوز لك أن تخبري صديقتك هذه بما يكون من أخطاء من زوجة أخيك لمجرد الإعلام ودون حاجة معتبرة وذلك لاشتمال هذا الفعل على عدة محاذير:
منها: أن في هذا كشف لسترها وتتبع لعوراتها وهو محرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه و لو في جوف رحله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومعنى تتبع العورات أن يبحث ويستقصي عما خفي عنه من المساوئ أو يكشف ما علمه واطلع عليه منها, جاء في تحفة الأحوذي: ولا تتبعوا عوراتهم فيما تجهلونها ولا تكشفوها فيما تعرفونها. انتهى بتصرف.
وقد حرم الشرع كشف أستار المسلمين لما فيه من المفاسد العظيمة منها على سبيل المثال: تيئيس العاصي من التوبة وإغراؤه بالمداومة على المعصية، فإن الإنسان إذا شعر أن أخطاءه قد كشفت وأن أستاره قد هتكت فلن يتورع بعد ذلك عن شيء ولن يستحي من قبيح , فيكون هذا عونا وأيما عون على استدامة المعصية دون رادع من حياء أو حرج, وإلى هذا المعنى أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم . رواه أبو داود وصححه الألباني.
لذا فقد ندب الشرع إلى ستر المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أشار على ماعز عندما وقع في الزنا أن يظهر أمره للنبي، فقال له النبي: يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك. صححه الألباني.
بالإضافة إلى أن هذا الفعل ينطوي على الغيبة المحرمة, وما الغيبة إلا ذكر الإنسان في غيبته بما يكره أن يذكر به كما قال رسول الله: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. رواه أبو داود وصححه الألباني.
واعلمي أيتها السائلة أنه ما منا من أحد إلا وهو يخطئ ويعلم في غالب الأحيان أنه مخطئ, وهو مع هذا يحب من الناس أن يستروا عليه وأن يقيلوا عثرته, فلا بد للمرء إذاً أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه. رواه مسلم.
قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاس الَّذِي يَجِب أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ هَذَا مِنْ جَوَامِع كَلِمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَدِيع حِكَمه، وَهَذِهِ قَاعِدَة مُهِمَّة فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِهَا ، وَأَنَّ الْإِنْسَان يَلْزَم أَلَّا يَفْعَل مَعَ النَّاس إِلَّا مَا يُحِبّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ. اهـ.
لكن يستثنى من ذلك ما إذا ترتب على سكوتك ضرر يلحق صديقتك كأن كانت قد عزمت على الدخول مع زوجة أخيك في معاملة ما وهي تظن بها الخير وغلب على ظنك أنه سيلحقها من ذلك ضرر فلا حرج عليك حينئذ أن تحذريها منها بالقدر الذي يدفع عنها الضرر بل قد يجب عليك ذلك بشرط أن تقتصري على القدر الذي يندفع به الضرر ولا تسترسلي في تعداد أخطائها ومساوئها.
والله أعلم.