عنوان الفتوى : مصير قتلى العدو الذين قاتلوا طاعة لرؤسائهم
أرجو الإجابة على سؤال يحيرني: في الغزوات والفتوحات الإسلامية، يرسل قائد المسلمين الكتب إلى القادة والرؤساء وهؤلاء هم الذين يقررون ما يفعلون : أن يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية أو يحاربوا، فإذا اختاروا الحرب يحارب معهم جنودهم، ومن هؤلاء الجنود من لا يعلم شيئا حتى أنه لا يعلم لماذا أتى المسلمون، فيحارب ويموت، هل مصيره إلى النار رغم أنه لم يكن يعلم شيئا؟ أرجو الإفادة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى لا يعذب إلا من يستحق العذاب، قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}
ولذلك لا يعذب أحداً من خلقه إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسل ووصول الدعوة إليه كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء : 15} وقال: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا{النساء : 165}.
فمن لم تبلغه دعوة الإسلام ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالراجح من أقوال أهل العلم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، كسائر أهل الفترة حيث قال صلى الله عليه وسلم: أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار. قال: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها. رواه أحمد وصححه ابن حبان والألباني.
وأما من بلغته دعوة الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، ومات على ذلك فإنه مخلد في النار في الآخرة، ويكفي في إقامة الحجة عليه أن يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يلزمه البحث عن حقيقة هذا الرسول، ولذلك علق النبي صلى الله عليه وسلم دخول النار لليهود والنصارى على مجرد سماعهم به، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتاوى: 68324 ، 59524 ، 49293.
وهؤلاء لا عذر لهم إن هم أطاعوا سادتهم على الكفر، فقد قال الله تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ {القصص : 8}
فذكر الجنود هنا فيه تنبيه واضح على أن حكمهم تابع لحكم قادتهم، فلولا هؤلاء الجنود لما استطاع القادة فعل شيء.
ولذلك قال العلامةالسعدي: { وَجُنُودَهُمَا } التي بها صالوا وجالوا وعلوا وبغوا. انتهـى.
وروى البخاري عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء : 97}
فمجرد تكثير السواد ترتب عليه هذا الوعيد الشديد، فما بالك بمن تابع على الكفر وباشر القتال.
والله أعلم.