عنوان الفتوى : إمام مسجدهم يرتكب بعض المخالفات ويتعامل معهم بفظاظة
أنا أعيش بدولة أوربية وقريب مني المسجد وإمام المسجد يطيل بالدرس قبل خطبة الجمعة ويؤخر الخطبة نصف ساعة وبعدها يخطب بنفس الدرس الذي سلف، ويلح علينا بحضور درس بعد كل صلاة ويسخر ممن لم يحضر الدرس، فمثلا كنت خارجا من المسجد بعد العشاء، فصاح بي عند الباب أمام الحضور هل تعرف دعاء التعزية فقلت له: الله أعلم علما بأنني أعرفه فضحك وقال: أرأيتم، فضحك الجميع، فكثير من الإخوان تركوا المسجد ويوجد مسجد آخر ولكنه بعيد قليلا فبماذا تنصحنا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الإمام يرتكب مجموعة من المخالفات، فمنها عقده درساً عاماً قبل الجمعة، وقد بينا كراهة التحلق قبل الجمعة في الفتوى رقم: 11806، وفي فتاوى نور على الدرب للعلامة العثيمين رحمه الله: أما الدرس الخاص الذي يكون بين عالم و تلاميذه فهذا لا بأس به، إلا أنه نهي عن التحلق يوم الجمعة إذا كان في ذلك تضييق على من يأتون إلى الجمعة، وأما إذا كان عامّا مثل أن يكون الدرس في مكبر الصوت عاما على جميع الحاضرين فإن هذا منكر وبدعة. أما كونه منكرا فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أصحابه حين كانوا يصلون أوزاعا فيجهرون بالقراءة فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا بالقراءة؛ لأنه إذا رفع صوته شوش على الآخرين، فهذا وجه كونه منكرا. فإن هذا الذي يحدث الناس بمكبر الصوت يوم الجمعة يؤذي الناس لأن من الناس من يحب أن يقرأ القرآن، ومن الناس من يحب أن يتنفل بالصلاة، و من الناس من يحب أن يفرغ نفسه للتسبيح والتهليل والتكبير، وليس كل الناس يرغبون أن يستمعوا إلى هذا المتحدث، فيكون في هذا إيذاء لهم. ومن أجل هذا أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أصحابه الذين يجهر بعضهم على بعض، وأما كونه بدعة، فلأن هذا لم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تبليغ الرسالة، ولم يحصل وذلك لأنه سوف يحصل للناس التذكير والموعظة في الخطبة المشروعة التي ستكون عند حضور الإمام .انتهى.
ومنها تأخيره خطبة الجمعة عن أول وقتها، وهذا خلاف السنة، فإن السنة فعل الجمعة في أول وقتها كما هو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها مداومته على الموعظة بعد الجمعة، وهذا مما لا ينبغي فإن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:10}
ومنها فعله للموعظة بعد كل صلاة، ولم يكن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم كما أخبر بذلك ابن مسعودٍ رضي الله عنه،
ومنها سخريته بمن لا يحضر الدرس، والسخرية بالمسلمين والاستهزاء بهم مما لا يليقُ بالعامة فضلاً عن أهل العلم، وهذا الدرس ليسَ بواجب حتى يُنكر على تاركه، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ {الحجرات:11}.
ومنها تنفيره الناس بهذه الطريقة الفظة التي يتعامل بها معهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق ونهى عن الغلظة والعنف، وقال له ربه عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران: 159}.
والذي نراه لكم أن تناصحوا هذا الإمام بلينٍ ورفق، فإننا نظنه يريد الخير، ولكن كم من مريدٍ للخير لا يبلغه، فبينوا له هذه الأخطاء التي يقع فيها بأسلوب حسن مع ذكر كلام أهل العلم، وما نراه إلا سيستجيبُ إن شاء الله، واجتهدوا في حضور ما استطعتم من دروسه إن كان فيها فائدةً لكم، ولا تصدنكم فظاظته عن الاستفادة منه، ولا تهجروا المسجد، بل احرصوا على عمارته مع الاجتهاد في نصيحة ذلك الإمام كما ذكرنا.
والله أعلم.