عنوان الفتوى : عاشق هائم يبحث عن حل لمشكلاته ويريد النصح والتوجيه
أنا في حيرة من أمري ، وأحسب نفسي مريضاً نفسيّاً بالحب ، هذه ليس كلمة أستحي منها ؛ لأنها واقعية ، وما سأكتبه لا يهمني من يعرفه ، المهم أن أجد حلاًّ على يد أحد المشايخ الفضلاء ، لأني والله يعلم مدى ما أقاسية من ألم ، ووحشة ، وحرقة قلب ، أريد حلاًّ ، أريد من يسمعني . حكايتي تبدأ عندما كنت في الثانوية العامة وكنت وقتها أعيش خارج بلدي, عرفت فتاة رقيقة ، وأحسب أنها جميلة ، كلمتها كثيراً جدّاً ، حتى تعلقت بها بصورة لا أحسن وصفها ؛ لأنني لا أظن أنني أستطيع ذلك ، ثم تطور الأمر إلى أن أحببتها ، وعشقتها بشدة ، وصارحتها بذلك ، لكنها صدتني بقوة وقسوة وقالت : إنها ليست للحب ، وإنها فتاة جدية ، ومع ذلك بقيتْ معي تحاكيني ، وكل يوم يزداد ما بداخلي لها من مشاعري التي لم أستطع التحكم فيها إطلاقاً ، وبعد مرور شهرين تقريباً ، وبعدما ذاب قلبي فيها ، وعلقت كل آمالي وأحلامي بها مع علمي التام أنها لا تهتم بذلك - كل الحكاية أنها كانت تجد تسلية معي فتتحدث ، هذا ما فيها - المهم : بعد هذه الفترة : انتهت امتحانات الفصل الدراسي الأول ، ويوم النتيجة أعلنتْ الحرب على قلبي بصورة شديدة الاحترام ، اتصلت بها حتى أعرف نتيجتها ، وكنت مشتاقاً لها بشدة ، فقالت : إنها حصلت على 99,95 ، فباركت لها من قلبي لأني والله يعلم فرحت لها ، وسألتني عن نتيجتي لكنها لم تكن بعد قد ظهرت في مدرستي ، ثم نطقتْ بكلمة كانت هي السم الزعاف الذي أتجرعه كل يوم لمدة سنتين ، بعد هذه الحكاية ولا أكاد أسيغه ، قالت : إننا لا يمكن أن نستمر هكذا ، ولا بد أن ينتهي ما بيننا من هذه المكالمة ، وأنها ليست على استعداد أن تتكلم معي ؛ لأنها تعلم أنه محرَّم شرعاً ، وبكل قوة قلب عندها وانعدام الرحمة ! أنهت ما بيننا ، وتركتني هائماً على وجهي ، وبقيت - والله يعلم بحالي وبؤسي وسقمي - كل يوم أرسل لها رسالة استعطاف على المحمول ، بالإضافة للكلام الذي قلته لها في تلك المكالمة الأخيرة الذي لو سمعه الصخر لعطف عليَّ ، ومسح دموعي ، لكنها لم تكن تأبه بكل هذا ، وفي نهاية الأمر أغلقت محمولها ، وأغلقت معه طرق الاتصال بها ، وبقيت بحال بائسة لا يعلمها إلا الله ، وفي هذا الفصل الدراسي حصلت على 86 في المائة ، ومع صدمتي فيها : انصدمت بالنسبة التي لم أتوقعها أساساً ، كل هذه المصائب جعلتني أعلن الانسحاب ، وأنني لن أكمل السنة الدراسية ، ومع محاولات من أهلي أيضاً لم أوافق ، فلم يكن أحد يعرف بهذه المشكلة غيري ، لكنني تحججت بالنسبة السيئة ، بقيت في حال سيئة جدّاً أحاكي ورقتي ، وقلمي ، وأستمع لأغاني الحب والهيام ! التي أذابت قلبي أكثر ، المهم : ومرَّت السنتان بهذه الحال ، وأكثر ، من الألم ، وعندما جئت إلى مصر من فترة كنت كالجائع الذي يبحث عن شيء يأكله ، أبحث بكل الصور عن فتاة كي أحبها ، كنت بغبائي أحسب الحب يأتي هكذا ، لكنني كنت أبحث عن حل للماضي ، وأقنعت نفسي أني أحب فتاة زميلة لي في الكلية ، لكنني بعدها بأيام قليلة أحسست نحوها بملل عجيب ، واكتشفت أنني لا أحبها أبداً ، ولا أشعر نحو أحد بالحب ، إلا تلك التي عرفتها من سنتين ، واليوم عرفت فتاتين عبر الإنترنت ، إحداهن من مصر ، والأخرى من فلسطين ، التي من مصر أحسست تجاهها بحب جارف ؛ لأنها واجهت حكاية أقسى ألماً مني ، أحسست نحوها بالحب ، بعد مرور ثلاثة شهور كنت أحارب نفسي كي لا أحبها ، لكنها جرفتني معها في تيار رياح الحب ، بعد ذلك عرفت فتاة فلسطين ، التي تمكنت مني في أسبوع واحد ، وهي أشدهن ألما على قلبي ، أتعرفون لماذا ؟ لأنها الوحيدة التي أوهمتني بحبها لي ، كانت تكلمني من عنوان بريدي ليس لها ، تكلمني على أنها فلانة ، وهي قريبتها ، وبعدما ذبت فيها بكل الصور الممكنة لأنني محتاج أساسا لتلك الكلمات التي أمطرتني بها : إذ بها البارحة فقط تخبرني الحقيقة ، قالت : إنها أحبتني فعلا ، ولكن لا تعرف ما دفعها لخداعي في شخصيتها ، أبكت قلبي دماً ، وناراً ، جعلتني أموت كمداً ، وفارقتني ولا أعرف هل سأحاكيها أم لا بعد اليوم ، المشكلة في بنت مصر أنها أكبر مني بأربعة أعوام كوامل ، وفي بنت فلسطين أنها خدعتني ، والمشكلة الأساسية فيَّ أنا ، كل ما كتبتُ هو حقيقي فعلاً ، وحدث ، ولا أتأول منه شيء ، أفتوني ، جزاكم الله خيراً ، هذه حكايتي بأكثر من إيجاز ، أتمنى الرد منكم .
الحمد لله
أولاً:
لعلَّ الله أراد بك خيراً حيث يسَّر لك أن تراسل موقعاً إسلاميّاً يُعنى بالفتوى ،
والمشكلات الاجتماعية ، لتعرض عليه قصص حبِّك وغرامك ، وانتقالك من معشوقة لأخرى !
فنرجو الله تعالى أن تكون أنت مريداً للخير لنفسك ، وأن تعقل ما نقول ، وأن تعمل به
في خاصة نفسك.
ثانياً:
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن الشيطان يزيِّن للناس حب الشهوات ، وخاصة في النساء ،
والمؤمن يعلم أن هذا ابتلاء واختبار من الله ، الفائز فيه من صرَّف شهوته فيهن
بالحلال ، فتزوج ، والخاسر فيه من صرَّفها بالعشق والغرام والزنا ، ونرجو منك
التأمل في هذه الآية ، وتتفكر جيِّداً في كلام مفسِّرها ، فإن فيما سننقله لك
تعلقاً كبيراً بحالك .
قال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ
وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ
ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران / 14 ، 15 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
يُخبر تعالى أنه زيِّن للناس حب الشهوات الدنيوية ، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها
أعظم شهوات الدنيا ، وغيرها تبع لها ، قال تعالى : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة
لها ) فلمَّا زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات ، تعلقت بها
نفوسهم ، ومالت إليها قلوبهم ، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين :
قسم : جعلوها هي المقصود ، فصارت أفكارُهم ، وخواطرُهم ، وأعمالُهم الظاهرة
والباطنة لها ، فشغلتهم عما خُلقوا لأجله ، وصحبوها صحبة البهائم السائمة ، يتمتعون
بلذاتها، ويتناولون شهواتها ، ولا يبالون على أي وجه حصَّلوها ، ولا فيما أنفقوها
وصرفوها ، فهؤلاء كانت زاداً لهم إلى دار الشقاء ، والعناء ، والعذاب .
والقسم الثاني : عرفوا المقصود منها ، وأن الله جعلها ابتلاءً وامتحاناً لعباده ،
ليعلم من يقدِّم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته ، فجعلوها وسيلةً لهم ، وطريقاً
يتزودون منها لآخرتهم ، ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته ،
قد صحبوها بأبدانهم ، وفارقوها بقلوبهم ، وعلموا أنها كما قال الله فيها ( ذلك متاع
الحياة الدنيا ) ، فجعلوها معبراً إلى الدار الآخرة ، ومتجراً يرجون بها الفوائد
الفاخرة ، فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم .
وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها
الأغنياء ، وتحذير للمغترين بها ، وتزهيد لأهل العقول النيرة بها ، وتمام ذلك : أن
الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار ، ومصير المتقين الأبرار ، وأخبر أنها خير من
ذلكم المذكور ، ألا وهي الجنات العاليات ، ذات المنازل الأنيقة ، والغرف العالية ،
والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار ، والأنهار الجارية على حسب مرادهم ،
والأزواج المطهرة من كل قذر ، ودنَس ، وعيب ظاهر وباطن ، مع الخلود الدائم الذي به
تمام النعيم ، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم ، فقس هذه الدار الجليلة بتلك
الدار الحقيرة ، ثم اختر لنفسك أحسنهما ، واعرض على قلبك المفاضلة بينهما .
( والله بصير بالعباد ) أي : عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة ، والأوصاف القبيحة ،
وما هو اللائق بأحوالهم ، يوفق من شاء منهم ، ويخذل من شاء ، فالجنة التي ذكر الله
وصفها ، ونعتها بأكمل نعت : وصف أيضا المستحقين لها ، وهم الذين اتقوه بفعل ما أَمر
به ، وترك ما نهى عنه .
" تفسير السعدي " ( ص 123 ) .
فكن على حذر من شيطانك ، ومن نفسك ، ومن هواك ، وقارن بين حال السعداء بطاعة الله
والأشقياء بمعصيته في الدنيا ، وقارن بين حاليهم في الآخرة ، ولا نراك إلا ستسير في
درب الصالحين ، وطريق الأتقياء الطائعين .
واعلم أن فتنة النساء ما كانت لتُحدث في قلب المؤمن من الشر والفساد لولا أنه أطلق
بصره في النظر إليهن ، والتأمل في زينتهن ، ولهذا فإن المسلم مأمور بغض البصر عن
المحرمات ، كما قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ ) النور/ 30 .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :
أما اللحظات : فهي رائد الشهوة ، ورسولها ، وحفْظها أصلُ حفظ الفرج ، فمن أطلق نظره
: أورده موارد الهلاك ... .
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولِّد
الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصبر
عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر
على غض البصر أيسر من الصبر على ألِمِ ما بعده " ...
ومن آفاته : أنه يورث الحسرات ، والزفرات ، والحرقات ، فيرى العبد ما ليس قادراً
عليه ، ولا صابراً عنه ، وهذا من أعظم العذاب : أن ترى ما لا صبر لك عنه ، ولا عن
بعضه ، ولا قدرة لك عليه .
" الجواب الكافي " ( ص 106 ) ، وهو وصف دقيق لحالتك ، وننصحك بقراءة هذا الكتاب ،
فهو مؤلَّف لهذه المسألة دون غيرها .
وانظر جواب السؤال رقم : (
20229 ) ففيه
بيان الوسائل المعينة على غض البصر .
وتجد فوائد غض البصر في جواب السؤال رقم : (
22917 ) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : (
33651 ) طرق
مواجهة فتنة النساء .
وفي جواب السؤل رقم : (20161)
بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها .
ثالثاً:
أخي السائل : هل تريد السعادة ؟ هل ترجو الطمأنينة ؟ وهل ترنو نحو الفرح والسرور ؟
هل تريد استبدال ما بك من شقاء وبؤس ونكد إلى أضدادها ؟ إن كان الجواب في كل ذلك :
نعم - وهو ما نرجوه منك : فعندنا ما ننصحك به لذلك ، فتأمل معنا الآية وتفسيرها .
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد/ من الآية 11 .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
الآية الكريمة آية عظيمة ، تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله ، وكمال حكمته
، لا يغيِّر ما بقوم من خيرٍ إلى شرٍّ , ومن شرٍّ إلى خير ، ومن رخاء إلى شدة , ومن
شدة إلى رخاء : حتى يغيروا ما بأنفسهم , فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا :
غيَّر الله عليهم بالعقوبات ، والنكبات ، والشدائد ، والجدب ، والقحط , والتفرق ،
وغير هذا من أنواع العقوبات ، جزاءً وفاقاً ... .
وقد يكونون في شرٍّ ، وبلاء ، ومعاصي ، ثم يتوبون إلى الله ، ويرجعون إليه ،
ويندمون ، ويستقيمون على الطاعة : فيغيِّر الله ما بهم من بؤس ، وفرقة ، ومن شدة ،
وفقر ، إلى رخاء ، ونعمة ، واجتماع كلمة ، وصلاح حال ، بأسباب أعمالهم الطيبة ،
وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 297 , 298 ) .
وانظر في تحريم الموسيقى والغناء المصاحب لها : أجوبة الأسئلة : (
5000 ) و (
5011 ) و (
43736 ) و (
96219 ) .
وأخيراً :
نوصيك بتقوى الله تعالى ، ومراقبته في الصغيرة والكبيرة ، واحرص على أن يراك حيث
أمرك ، وأن لا يراك حيث نهاك ، وعجِّل بالزواج ؛ فإنه السبيل الوحيد لحفظ شهوتك من
وضعها في غير مكانها ، والجأ إلى الله بالدعاء أن يخلصك من شرور نفسك ، وسيئات
أعمالك .
ونسأل الله أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الحرام ، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه
في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان .
والله الموفق