عنوان الفتوى : تصوير الفتيات بكاميرات المحمول
انتشرت في الجامعات في الآونة الأخيرة ظاهرة التقاط صور للفتيات عن طريق التليفون المحمول المزود بكاميرات خاصة ويتم تبادل هذه الصور بين الشباب عن طريق الرسائل فما حكم هذا التصرف في ميزان الشرع؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن قيام بعض الشباب بتصوير الفتيات عن طريق التليفون المحمول حرام شرعا، وتزداد الحرمة بتبادل هذه الصور ونشرها عن طريق الرسائل، لما في ذلك من جملة مخالفات أوجزها على النحو التالي:
1- الاعتداء على الحياة الخاصة للآخرين وحرماتهم، وأعراضهم.
2- هذا الفعل فيه تتبع للعورات.
3-فيه إطلاق للبصر لما لا يحل، وقد أمرنا بغض البصر.
4- تبادل الصور ونشرها فيه إشاعة للفاحشة وصدق الله العظيم “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” –النور: 19 -.
5- هذا السلوك تأباه الفطر السليمة، فالمسلم الحر العفيف لايرضى هذا الفعل لأهل بيته ولا لغيرهم، وعلى من يفعل ذلك أن يتقي الله في أعراض الناس وحرماتهم، وأن يضع نصب عينه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (كما تدين تدان)، وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه “.
وأفصل القول فأقول وبالله التوفيق:
إن الشريعة الإسلامية الغراء حرصت على حرمات الأشخاص وخصوصياتهم من أن تنتهك بأي صورة ، و تصدت لهذا الانتهاك الخطير لحرمات الأفراد وخصوصياتهم، إيمانا منها بكرامة الإنسان وحقه في المحافظة على خصوصياته وأسراره حيث جاء النهي صريحا من قبل الشارع عن التجسس والذي من شأنه تتبع العورات وانتهاك حرمات الأفراد والتعدي على أسرارهم وكرامتهم فيقول المولى سبحانه وتعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ” الحجرات: 12
فهذه الآية الكريمة تقيم سياجا قويا حول حرمات الأشخاص وحقوقهم وحرياتهم فلا تُمس من قريب أو بعيد تحت أي ذريعة أو ستار، حيث نهت عن تتبع عورات المسلمين بغية الظهور على عيوبهم، فللناس حرماتهم وكرامتهم وأسرارهم التي لا يباح للغير انتهاكها أو المساس بها.
وجاءت السنة النبوية المطهرة وأكدت حرص الشارع على صيانة حرمة الحياة الخاصة للفرد فقال صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا” متفق عليه.
ويتوعد النبي – صلى الله عليه وسلم – أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول صلوات ربي وسلامه عليه: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته” رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
كما روي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) –متفق عليه
ويتوعد – صلى الله عليه وسلم – من يتجسس عن طريق استراق السمع فحسب بالوعيد الشديد فيقول صلى الله عليه وسلم: ” من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة” صححه الألباني في مشكاة المصابيح.
وروي أيضا أنه أتى إلى ابن مسعود رجل فقال هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال عبد الله: “إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به” رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
فالنهي الوارد في الآية القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الوارد ذكرها يفيد تحريم التجسس بوجه عام سواء كان واقعا من فرد على فرد أو من السلطة العامة على الأفراد. كما يحظر التجسس آيا كان صورته فيستوي أن يتم بالرؤية وهو ما يسمى باستراق البصر أو بالسمع أو بالتقاط الصورة.
وتبلغ الشريعة الإسلامية مبلغا عظيما حين تحافظ على حرمات الأشخاص وكرامتهم وحرياتهم وتمنع التجسس عنهم حتى لو كان هذا التجسس يرمي إلى تحقيق غاية مشروعة، فالمجتمع الإسلامي الرفيع يجب أن يعيش الناس فيه آمنين على أنفسهم وبيوتهم وعوراتهم وأسرارهم ولا يوجد مبرر مهما يكن لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات، حتى ذريعة تتبع الجريمة لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس، ما لم يجاهر المرء بالمعصية، فالمجاهر بمعصيته لا يحرم التجسس عليه لأنه قد ألقى جلباب الحياء عن وجهه وفي هذا يقول الفقهاء: “اللصوص وقطع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم ويعان عليهم. وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم” –تبصرة الحكام لابن فرحون ج2 ص: 186 وما بعدها -.
أما الذي لا يجاهر بمعصيته فلا يجوز لأحد أن يتتبع عورته، فالناس على ظواهرهم وليس لأحد أن يتعقب بواطنهم، وليس لأحد أن يأخذهم إلا بما يظهر منهم من مخالفات وجرائم. ويتجلى ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم” –رواه أبو داود وصححه الألباني
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بعدم تتبع العوراتبصفة عامة وذلك فيما رواه معاوية – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – يقول: “إنك أن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم” –رواه أبو داود وصححه الألباني -.
فقد أوضح – صلى الله عليه وسلم – النتائج الخطيرة التي تكتنف القيام بانتهاك الحياة الخاصة للأفراد وتتبع عوراتهم وهي فساد الخلق وهو الأمر المنهي عنه شرعا.
بقيت وقفة أخيرة فنقول: إن من يقوم بهذا السلوك المنحرف لا شك أنه قد ظلم نفسه باقترافه للمعصية، وظلم غيره بإيذائهم بهذا السلوك غير السوي، ولن يبرأ من ذلك إلا بالتوبة النصوح، وانتشار هذه الظاهرة وغيرها من العلل الموجودة في المجتمع لا شك أنها تحتاج إلى التصدي لها من قبل المخلصين والغيورين على دينهم وعلى أوطانهم، فتردي الأخلاق في أي مجتمع هو نذير شر بهلاكه، وأول طرق العلاج أن نُعلِّم أبنائنا معنى الطهر والعفاف وأن نربيهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق، ولو أن كل رب أسرة راقب ابنته قبل خروجها من بيتها وتيقن أنها ملتزمة بالزى الشرعي الذي أمر الله به لما وجد أصحاب القلوب المريضة متنفسا لفسقهم وفجورهم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا تقواه، وأن يحفظ أعراضنا، وأن يحفظ أبناءنا وأن يجنبهم قرناء السوء.
والله أعلم.