عنوان الفتوى : لبس القصير والضيق للأولاد بين أمر الزوج واعتراض الزوجة
مدة
قراءة السؤال :
دقيقة واحدة
ما حكم ارتداء الشورت للأولاد الذين قاربوا سن البلوغ ؟ وماذا أفعل إذا رفضت ابنتي ارتداء الحجاب والعباءة ؟ وماذا أفعل مع زوجي ؟ فهو رجل متشدد وأعاني منه كثيرًا ، وهو يرغب في أن يجنب أبناءنا كل ما هو حرام حتى وإن كان يفعله هو ، فما السبيل في هذا العالم فجميع من يتبع الإسلام هذه الأيام يتشدد في كل شيء ، وكيف لي في ظل كل ما أتعرض له من مشكلات وأوقات عصيبة أن أتعلم الإسلام ؟ يقولون لا يجوز معصية الزوج ، فماذا أفعل إن كنت لا أثق في قدر علمه كي أتبع ما يقوله لي ؟ فما الحل ؟
مدة قراءة الإجابة :
11 دقائق
الحمد لله.
أولاً:
إن السفن التي تعبر المحيطات ، وتحمل على ظهرها بضع أشخاص لا يمكن أن تسير إلا بقيادة توجهها ، وتقودها ، حتى تصل بركابها إلى برِّ الأمان ، والأسرة المسلمة الآن سفينة في محيط هائج مائج من الفتن والمهلكات ، وقد اجتمع أعداء الدين لإضعاف الأسرة المسلمة ، بل لقتلها ، وقد استخدموا كل الوسائل الممكنة من أجل ذلك ، فهذه المؤتمرات العالمية تنتقل من بلد إلى آخر ، وتسير بانتظام ، وبقيادات عالمية ، وكل همها إتلاف الأسرة المسلمة ، وتفكيك ترابطها ، ونزع حيائها ، وقتل عفافها ، وهذه القنوات الفضائية تعمل عملها السيء في الأسرة المسلمة ، وتلك الصحف السيارة ، وغيرها من وسائل الإعلام ، كلها تؤدي غرضاً واحداً لا يخفى على متابعها ومترصدها .
وفي ظل هذه الأمواج المتلاطمة تسير سفينة الأسرة المسلمة ، وإن لم يكن لها قائد عاقل حكيم فإنها ستتحطم وتكون ركاماً .
ورب الأسرة هو القائد لتلك السفينة ، ولا نلوم أباً يخاف على أهله وذريته من الفتن والفساد ، فقد أضحت هذه المفسدات أكثر وأقوى من أن يصدها رب الأسرة وحده ، فكيف إذا انضاف لذلك عدم معاونة زوجته له في تلك القيادة ، بل فكيف يكون الحال لو كانت تقف ضده فيما يحاول النجاة بتلك الأسرة من تلك الفتن والمفسدات ؟! .
فاعلمي – أختنا السائلة – أن الأمر ليس بالهين ، وأنه يجب عليك أن تكوني خير معين لزوجك فيما يصلح من أفراد أسرتكم ، وإنه حتى لو لم تكوني مقتنعة فيما يصدره من أحكام وقرارات لا ينبغي لك أن تقفي في وجهه ، وأن تخالفيه ، وخاصة إن كان ذلك منك أمام أولادكم ؛ فإن أثر هذا سيء للغاية على تربية أولادكم .
وما يريده الأب من أفراد أسرته لا يخلو من شيء فيه نص من الشرع يأمره به ، أو شيء يراه في مصلحة أولاده فيأمر به لما فيه صلاحهم ، أو يمنع منه لما فيه فسادهم ، وإن كان ثمة مجال لمناقشته في الأمر الثاني : فليس ثمة مجال في الأول ؛ لأن الشرع حاكم على تصرفاتنا جميعاً ، وليس لنا الخيرة في عدم قبوله ، وتنفيذه .
ثانياً:
اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الله تعالى أمركِ وزوجك أن تقوا أنفسكم ناره ، وكذا أن تقوا أولادكم ، فالأمر ليس بالهين ، بل هو جد خطير ، وليس زوجك المسئول وحده عن رعيته ، بل وأنت كذلك مسئولة مثله .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/ 6 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) .
رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
واعلمي أن تربيتهم لا تكون بالقسوة الشديدة ، ولا بالإهمال .
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة : ما هي الطريقة الناجحة للأبوين في تربية أولادهما ؟
فأجابوا : " الطريقة الناجحة في تربية الأولاد هي : الطريقة الوسط ، التي لا إفراط فيها ، ولا تفريط ، فلا يكون فيها عنف وشدة ، ولا يكون فيها إهمال ولا مبالاة ، فيربي الأب أولاده ، ويعلمهم ، ويوجههم ، ويرشدهم للأخلاق الفاضلة ، والآداب الحسنة ، وينهاهم عن كل خلق ذميم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 290 , 291 ) .
ثالثاً:
اعلمي أن الشرع الحكيم يأمركم أن تعلموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين ، ويأمركم أن تفرقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر سنين ، وهذا من أجل تنشئتهم خير تنشئة ، ومن أجل صلاحهم في مستقبل الأيام ، وهم وإن كانوا غير مكلفين – لأنهم دون البلوغ – إلا أن هذا لا يمنع أن يؤمر أولياؤهم ، وأهليهم بما فيه صلاحهم ، فالأمر هنا لكم لا لهم ، والأمر هنا فيه خير لهم ولكم .
ومثل هذا تنشئتهم على حسن المعاملة ، وحسن الخلق عموماً ، وعلى الحياء ، والعفاف ، خصوصاً ، ويدخل في ذلك الأمر لهم بحفظ العورة ، وعدم لبس الضيِّق والقصير من الثياب ، فهو من جهة فيه تربية لهم على الحياء والعفاف ، ومن جهة أخرى فيه منع لتأجيج الشهوة والتفطين للسوء عند من يراهم ، سواء من أهل بيتهم ، أو من غيرهم من أقربائهم – مثلاً - ، ولا يمكن للشريعة المطهرة أن تأمركم بالتفريق بينهم في المضاجع ثم تجيز لكم تمكينهم من لبس القصير والضيِّق طوال استيقاظهم ! فتفطني لعلة الأمر ، وكوني حذرة أن تتسببي في فتنة وفساد لا يكفيه ماء البحر دموعاً ، ولا الفضاء الرحب أسىً وحسرةً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : كثيراً ما نرى في مجالس النساء : الفتيان ، والفتيات الصغار ، ذوي السبع سنوات ، أو نحوها ، وهم يرتدون الملابس القصيرة ، أو الضيقة ، أو بقصات غريبة ، أو قصات للفتيات الصغيرات تشبه قصات الأطفال الذكور ، فإذا تكلمنا مع الأم ونصحناها : احتجت بأنهم مازالوا صغاراً ، فنرجو من فضيلتكم التكرم بالبيان الشافي لقضية لباس الأطفال ، وقص شعورهم ، وبارك الله فيكم .
فأجاب : " من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره ، ويبقى متأثراً به بعد الكبَر ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين ، ونضربهم عليها لعشر ؛ ليتعودوا ، والطفل على ما اعتاد ، فإذا اعتادت الطفلة الصغيرة أن تلبس القصير الذي يصل إلى الركبة ، والقصير الذي يصل إلى العضد أو الكتف : ذهب عنها الحياء ، واستساغت هذه الملابس بعد كبرها ، كذلك بالنسبة للشعر ، فالمرأة لا بد أن يكون لها شعر يتميز عن شعر الرجال ، فإن جعلت شعرها كشعر الرجال : فقد تشبهت بهم ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال .
وليُعلَم أن الأهل مسئولون عن هؤلاء الصبيان ، وعن توجيههم ، وتربيتهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته ) فالحذر الحذر من الإهمال ، وليكن الإنسان جادّاً في توجيه أبنائه ، وبناته ، حريصاً عليهم ، حتى يصلحهم الله تبارك وتعالى ، ويكونوا قرة عين له " انتهى .
" اللقاء الشهري " ( 66 / 10 ) .
رابعاً :
إذا تربَّت البنت منذ صغرها على الحياء والعفاف والستر : كانت هي الراغبة في العباءة والخمار حتى قبل بلوغها ، وإذا كبرت ولم تلبس الساتر من الثياب ، مع تقصير الأهل في صغرها : فإن عليهم مداومة النصح والإرشاد والتذكير ، فإذا لم ينفع ذلك فليستعمل أسلوب الشدة قليلاً ، ولتمنع من رغباتها ، حتى لا يترك لها المجال لتصنع ما تشاء في هذا وفي غيره ؛ لأنكم إن سكتم عن لباسها لأنها ترفض ليس العباءة ، أو الساتر من الثياب : فإنها ستتجرأ على أشياء أخرى تفعلها ، وهذا علامة على قرب غرق السفينة ! حيث جعلت القرارات بيد الأطفال ! ونؤكد على البداية باللين والرفق ، وعدم اليأس من صلاحها ، ولا تستعمل الشدة القاسية إلا حيث يرى ذلك قائد السفينة العاقل .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : إلى أي سن يجب على الفتاة أن تلبس الحجاب ، وهل يجب أن نفرضه على التلميذات ، ولو كرهن ذلك ؟ .
فأجابوا : " إذا بلغت البنت : وجب عليها أن تلبس ما يستر عورتها ، ومنها : الوجه ، والرأس ، والكفان ، سواء كانت تلميذة أم لا ، وعلى ولي أمرها أن يلزمها بذلك لو كرهت ، وينبغي له أن يمرنها على ذلك قبل البلوغ حتى تتعوده ، ويكون من السهل عليها الامتثال .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 219 , 220 ) .
فكوني خير معين لزوجك على طاعة الله وتربية أولادكم ، واحذري من مجاراة أعداء الإسلام في وصف التمسك بالشرع بالتشدد ، وما يقصِّر به زوجك في خاصة نفسه : انصحيه ، وعظيه ، وخوفيه بالله رب العالمين ، ولا تجعلي تقصيره مسوِّغاً لتقصير أولادكم ، واستعيني بالله ربكم على أداء الأمانة على أكمل وجهها ، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : ( 10016 ) كيف يربي أبناءه على الصلاح .
وفي جواب السؤال رقم : ( 10211 ) بينَّا الطريقة الصحيحة لتعليم الصغار ودعوتهم .
والله أعلم