عنوان الفتوى : مواقع الزواج عبر الانترنت .. ضوابط ومحاذير
أود أن أسأل فضيلتكم عن حكم تصرَّف صديقتي، فقد قامت بإعلان في أحد مواقع الزواج، وتراسلت مع أحد الراغبين في الزواج وتلتقي معه في مواقع التشات؛ حتى تتعرف على شخصيته، فهي أخبرتني أن ذلك هو السبيل الوحيد لمعرفته بوضوح، دون اللجوء للمكالمات الهاتفية، بحكم أن كثيراً من الناس تزوجوا عن طريق مواقع الزواج والتشات، فهل دخول هذه المواقع دون استخدامها استخداماً سيئاً جائز؟ أفيدونا يرحمكم الله.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا حرج في إنشاء مواقع على الإنترنت لتقريب وجهات النظر بين الراغبين في الزواج، ولكن لا بد من مراعاة الآتي:
أولا: أن يكون القائمون على هذه المواقع على قدر من الأمانة والمسئولية.
ثانيا: على الفتاة التي تبحث عن شريك الحياة أن تكون على حذر تام. ثالثا: إن قدر الله خيرا فعلى ولي الأمر أن يحتاط لأمر ابنته بالسؤال عن من يتقدم لخطبتها، لمعرفة دينه وخلقه.
وأخيرا نؤكد على أن الإنترنت وسيلة لتقريب وجهات النظر أما الزواج فلا يجوز إلا بحضور العاقدين والشهود.
وهذا ما أشار إليه فضيلة الدكتور سامي بن عبد العزيز الماجد -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – فيقول فضيلته:
انتشرت في شبكة الإنترنت مواقع كثيرة تسهل للراغب في الزواج إعلان رغبته، وتتيح له فرصة عرض نفسه للطرف الآخر، وفرصةَ البحث عمن تتحقق فيه الصفات التي يرغبها.
وهي بهذا الهدف النبيل تُقدم خدمة جليلة ما لم يُستغل في تحقيق مآرب أخرى فتصبح مطية لنوايا خسيسة، وستاراً خدّاعاً يستجرُّ الغافلات للعلاقات الآثمة.
فليست المشكلة في إنشاء هذه المواقع، وليس التخوف في حقيقة الأمر من وجودها، بل ولا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، ولكن المشكلة كل المشكلة تكمن في نوايا رُوّادِها من دخول هذه المواقع، ومدى صدقهم فيما يحكون من صفاتهم وطبائعهم…إلخ.
فقد يكون من هؤلاء من يقصد بدخول هذه المواقع إقامة العلاقات الآثمة مع الطرف الآخر، والتي غالباً ما تصبح شَرَكاً للفاحشة والرذيلة.
غير أن هذه الفئة قد لا يُعرف خُبثُ طويتها في بادئ الأمر، فيحتاج الطرف الآخر – حتى يستوثق من سلامة قصده وصدق عزيمته – إلى مشوار طويل في الحديث معه وتوثيق العلاقة به إما محادثة أو مكاتبة.
وقد يكون من رواد هذه المواقع من هو صادق النية جادّ الرغبة، ولكن يمارس الكذب والتدليس؛ ليُظهر نفسه في شخصيةٍ جذّابةٍ تتزاحم عليها رغبات الجنس الآخر. ومثل هذا التدليس الخفي قد لا يظهر عواره ولا ينكشف كذبه إلا بالتجربة ـ أعني تجربة الزواج ـ ولات حين مندم!.
فنحن – إذاً – أمام خدمة جليلة يُساء استخدامها كما يُساء استخدام أي وسيلةٍ.
وليس الحل – فيما يظهر لي – أنْ نتنادى بالتحذير من هذه المواقع، ولا أن نجابهها بالنكير، ومن ثَمَّ ندرجها في قائمة المواقع المحظورة!!! ونسقط كل اعتبار لمحاسنها ودورها ـ مع أن الموقع في ذاته ليس فيه أي محظورـ . وهذا لا نراه إلا من فرض الوصاية على عقول الناس، وأخذ الجميع بجريرة البعض، وتضييق المباحات عليهم واضطرارهم إلى المحرمات كالخلوة بالمخطوبة، وخروجها مع خطيبها بحجة حاجة كل منهما في التعرف على شخصية الآخر.
والحل الذي يمكن أن يدرأ هذه المفاسد، أو يخفف منها، هو توعية روّاد هذه المواقع، لا سيما النساء؛ لأنهن غالباً يقعن ضحيةً لهذا التدليس والاستغفال ثم الاستجرار إلى غاياتٍ دنيئة.
ودور التوعية والتحذير تُناط أول ما تناط بالمشرفين على تلك المواقع قبل غيرهم، بأن يلحّوا في تحذير الفتيات من مغبة الاسترسال ـ الذي لا تستدعيه الحاجة ـ في مراسلة من يدعي الرغبة في خِطبتهن، وأن مثل هذا كافٍ في الدلالة على أن الشاب الذي يماطل في التقدم لخِطبة الفتاة ليس جادّاً في مسألة الزواج، وأن المسألة لا تعدو لديه أن تكون مجرد تسلية أو تشهٍ!
كما أرى للمشرفين على تلك المواقع دوراً آخر لا يقل أهمية عن سابقهِ، وهو أن تكون رقابتهم صارمة على الإعلانات، وكما يقال في المثل الدارج (الكتاب يُعرف من عنوانه)، فبعض الإعلانات التي تنشر في تلك المواقع يظهر من أسلوبها عدم جدية صاحبها في مسألة الزواج، كالتي تُكتب بأسلوب ساخر، ومثل هذه الإعلانات يتعين على المشرفين حذفها وحرمان صاحبها من الإعلان مرة أخرى.
أما بشأن سؤالك عن مراسلة الشاب للتعرف على شخصيته بتفصيل أوسع مما هو معلن في الموقع، فلا أرى ما يمنع ذلك، بل نرى فيه بديلاً آمناً عن العلاقات الآثمة، والتي هي مخالفة صريحة لنصوص الشريعة، ولعله أن يكون من الحلال الذي يغني عن الحرام.
ولكن قبل ذلك لا بد من أن نقف بك على جملة من الحقائق والنصائح، والتي إن أخذتِ بها فأحسبها مانعة ـ بإذن الله ـ لهذه المراسلة أن تكون ذريعةً إلى الحرام.
أولاً: تذكري حين يراسلك من يبدي لك الرغبة في خِطبتك أنه ليس بالضرورة أن يكون صادقاً، وأن الكذب والتدليس أمرٌ واردٌ في كلامه، بل احتمال ذلك قد لا يقل عن احتمال صدقه، فما شيء يمنعه منه! فإياك أن تنخدعي بمعسول الكلام، ولا بجميل الخصال التي يزعمها لنفسه، فتتعلقي به تعلُّق المعجب المحب، ولتكن نفسك متهيِّئةً لهذا الاحتمال ـ أعني احتمال كذبه وتدليسه ـ.
ولذا، فلا تحرصي عليه إن رأيته مقبلاً عليك، ولا تبدي أسفاً عليه إن رأيته مدبراً عنك، حتى تتحققي من صدق دعواه، والتحقق من صدقه مهمة لا يضطلع بها إلا وليّك، بالسؤال عنه والتحقق من أخلاقه وتدينه….إلخ.
ثانياً: اعلمي أن المقصود من مخاطبته هو التعرف على شخصيته وما يرغبه هو في مطلوبته من الصفات والطبائع….إلخ، وهذا المقصود حاصلٌ بالمراسلة وكفى، ولذا لا أرى من ضرورةٍ لمكالمته، سواء بالهاتف أو بواسطة برامج المحادثة الصوتية عبر الإنترنت، فهذه خطوة ليس لها ما يسوِّغها، ولا الحاجة تدعو لها، وأخشى أن تُفضي إلى مزالق وخيمة، والأذن تعشق قبل القلب أحياناً!
فإياك إياك أن يصل بك الأمر إلى هذه الخطوة، التي أحسبها أول خطوة من خطوات الشيطان الذي لا يني في الأمر بالفحشاء والمنكر.
فإن وجدتِ من صاحبك إلحاحاً في طلب سماع صوتك ومكالمتك، فاعلمي أن هذه الرغبة والإلحاح قرينة ظاهرة على أن في نيته دخن وفي صدقه نظر، ولا أقترح عليك أن ترفضي طلبه هذا، ولكن ارفضي الطلب وطالبَه، واقطعي كل صِلة به.
ثالثاً: اجعلي مراسلتك له محصورة فيما يتعلق بموضوع الخِطبة وما يخدم موضوعها، وإياك أن تسترسلي معه في حديث غير هذا؛ وتذكري أن مراسلته إنما ساغت لأجل مصلحة الخِطبة فحسب.
فإن طال زمن مراسلته لك ولم يتقدم لخطبتك ولم يخطُ أولى خُطواتها، فاعلمي أن هذا الرجل إما كاذب، أو غير راغب، وكلاهما لست في حاجة بعدها للاسترسال في الحديث معه.
وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أعلم.