عنوان الفتوى : مسائل في الإكراه على الطلاق والخلع
حدثت مشادة عبر الهاتف بيني وبين زوجتي أثناء وجودي في الإمارات للعمل، وقد اشترطت أن أشتري لها شقة تمليك في خلال عامين وفي خلال العامين لن نتحدث ولن نتقابل حتى أشتري لها الشقة وإن لما أشتر شقة التمليك بدلا من الإيجار قالت ( كل واحد يروح لحاله )، فسافرت إلى بلدي لعل قلبها يلين، وعرضت عليها أن تسافر معي فرفضت، وذهبت هي وأبوها إلى قسم الشرطة ليجبروني على تسليم الأثاث المكتوب في قائمة المفروشات وهددوني بأن يصل الموضوع إلى النيابة و المحكمة، وأن يتهموا أبي بسرقة المصوغات الذهبية، وبالفعل أحضروا الشرطة واستلموا كل شيء، وطلبوا الطلاق وذهبنا إلى المأذون بعد ضغط شديد من أهلها وهي، حتى أحل الموقف وخوفا من المشاكل والمحاكم، وقد سألها المأذون هل تتنازلين عن شيء، قال أبوها وبعده هي ستتنازل عن المؤخر والنفقة، فقال لها المأذون قولي ( إني أبرأت زوجي..من مؤخر صداقي ونفقة عدتي) فقالت، وقال لي قل ( إن السيدة...طالق) فقلت إن السيدة ( زفت ) تستاهل تفة، وبصقت عليها وسببتها بوابل من الشتائم، فقال لي المأذون قل ( فقلت إن السيدة..طالق) فقال لها وقعي فوقعت وقال لي وقع على عدة ورقات فوقعت، وقال انصرفوا، وبعد ثلاثة أيام اتصلت بي زوجتي وتقابلنا ورددتها بالقول وبعض من أفعال الزوجية، وأبقينا الأمر سرا بيننا حتى لا يغضب أبوها، وسافرت مرة أخرى على وعد بترتيب الأوضاع هنا ثم مهاتفة والدها، وبعد فترة ونتحدث تقريبا يوميا على أنها زوجتي وهي قالت إني مازلت زوجتك وأنت زوجي، فوجئت بها تقول إن رجعتنا لا تصح، لأن المأذون كتب على قسيمة الطلاق ( طلاق على الإبراء) وهو لم يخبرني ما هو هذا الطلاق وما يترتب عليه ولم أكن أعلم يوماً أن الطلاق فيه بائن ورجعي، فهل أتحمل ذنب ما كتبه المأذون وفراق زوجتي وهدم وتدمير أسرتي وكانت نيتي أن الطلاق يمكنني أن أعيد زوجتي في شهور العدة، هل أتحمل ما كتبه المأذون ويصبح الطلاق بائنا، أم أن نيتي وفعلي يكفيان بأن يكون الطلاق رجعيا، وللعلم قد طلبت من أبيها أن أعيد ابنته فرفض رفضا باتا من باب العناد فقط، بالله عليكم أفيدوني هل هي زوجتي بعد ما حصل أم أنني أرضخ لما كتبه المأذون والذي لم أكن أعلم به نهائياً، وحتى أنها لم تتنازل عن المؤخر والنفقة ما كانت هناك مشكلة لأنها بالفعل أخذت كل شيء، بالله عليكم أفيدوني...
خلاصة الفتوى: لا يشترط لمضي الخلع نية الزوج أو علمه بحكمه، ولكنه لا يمضي مع الإكراه. ومن حق من خولعت أن ترجع إلى مطلقها بعقد جديد برضاها، وليس لوليها منعها من ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرت أنه حصل عند المأذون من إبراء زوجتك لك من مؤخر الصداق ومن النفقة في العدة... ثم تطليقك إياها على ذلك هو خلع. والخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه منها أو من غيرها. وفائدته تخليص المرأة من زوجها على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها وبعقد جديد. وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. {البقرة: 229 }. وقصة ثابت بن قيس في اختلاع امرأته منه ثابتة، رواها البخاري وغيره وأجمعت الأمة على ذلك.
ولا يشترط لمضي الخلع أن ينويه الزوج، بل متى وقع حصلت البينونة.
لكن ما ذكرته من أن زوجتك وأهلها قاموا بإحضار الشرطة والضغط عليك لتطلق، إذا كان قد حصل به إكراه لك على هذا الخلع، ولم يكن لك بد منه فإن ذلك لا يمضي عليك؛ لأن طلاق المكره لا يقع لقول النبي صلى الله وعليه وسلم: لا طلاق في إغلاق. رواه أبو داود وصححه السيوطي، والإغلاق هو الإكراه.
وقد عرف أهل العلم الإكراه كما يلي: يقول ابن حزم في المحلى: والإكراه هو كل ما يسمى في اللغة إكراها، وعرف بالحس أنه إكراه، كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به، والوعيد بالضرب كذلك، أو الوعيد بالسجن كذلك، أو الوعيد بإفساد المال كذلك، أو الوعيد في مسلم غيره بقتل أو ضرب أو سجن أو إفساد مال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه.
ومثله قول ابن قدامة في المغني في شروط الإكراه في الطلاق، حيث قال: فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير... إلى أن قال: وإن توعد بعذاب ولده، فقد قيل: ليس بالإكراه، لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراها، لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه، فكذلك هذا.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: وقد اختلف الناس في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه، فإن القادر الظالم إذا قال لرجل: إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك، أو ضربتك، أو أخذت مالك، أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل.
فمن هذا تعلم أنك إذا كنت مكرها على الخلع لم يلزمك.
وأما إذا لم تكن مكرها إكراها حقيقيا فإنك مأخوذ بما صدر منك، وتكون زوجتك قد بانت منك إذا كنت طلقتها على ما أبرأتك منه. ولا يصح لك في هذه الحالة أن ترتجعها إلا بعقد جديد وبرضاها.
ومن ذلك تعلم أن رجعتك لها غير صحيحة، ولكن ما ذكرته من الجهل ينتفي به عنك الإثم، فقد دلت الأدلة الصحيحة على أن الجهل عذر يرفع المؤاخذة في الجملة، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5} ، وقوله: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة:115} .
ثم ما ذكرته من أنك قد طلبت من أبي المرأة أن يعيدها إلى عصمتك فرفض رفضا باتا من باب العناد فقط... إذا كنت تقصد من ذلك أنه يعضلها عن النكاح وهي تريده فإن ذلك لا يحل له، قال الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:232}، وهذا الخطاب موجه للمطلقين وللأولياء، فلا يحق لهم ولا لغيرهم منع المرأة من الزواج إذا كان بالمعروف، أي بعقد حلال ومهر جائز وزوج كفء.
فلها إذا كانت ترغب في العودة إليك أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية.
والله أعلم.