عنوان الفتوى : يعاني من الأرق
أعاني من عدم القدرة على النوم ، يصيبني أرق ، فما الحل ؟ وهل من طريقه تساعد على النوم ؟
الحمد لله
نسأل الله تعالى لنا ولك العافية من كل بلاء ، والشفاء من كل داء .
ونوصيك – أخانا السائل – بالصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل ، فهو سبحانه يحب
الصابرين ، ويثيب الشاكرين ، والابتلاء سنته في الحياة الدنيا ، وهو رحمة للمؤمنين
، ونقمة على الكافرين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ
الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا
لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ
أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )
رواه مسلم (2999).
ثم اعلم أن الأمر يحتاج إلى شيء من المجاهدة والمصابرة ، وهكذا هو الشأن في جميع
المشكلات النفسية أو الاجتماعية ، فالنفس تؤخذ بالتربية المتدرجة كي تعتاد أمرا
جديدا أو تنصرف عن أمر قبيح ، ولها في ذلك بعض الأسرار التي يعرفها كل واحد في نفسه
، فلا بد أن يستفيد منها كي يبلغ مراقي النجاح والفلاح والعافية التي يريد .
والأرق حالة نفسية تسبب استعصاء النوم أو تَقَطُّعَهُ أو خِفَّتَه ، وهو مرض عصري
يصيب الكثير من الناس لأسباب مختلفة ، منها أسباب نفسية : كالضغوط ، والهموم ،
والقلق ، والوسواس ، ونحوها ، وبعض أسبابه عضوية بسبب اختلال في أداء بعض الأعضاء
لوظائفها ، أو تأثير بعض المواد المنبهة عليها كـ " النيكوتين " الموجود في الدخان
، والقهوة والشاي وغيرها من المنبهات .
وتبعا للأسباب التي تؤدي إلى هذا المرض ، يمكننا تقسيم أنواع العلاج إلى ثلاثة
أنواع :
النوع الأول : العلاج الشرعي :
ونعني به تحصيل طمأنينة القلب التي تدفع عن النفس كل هم أو غم أو وسواس ، فالقلب
الذي يعمره حب الله ورجاؤه والخوف منه والإنابة إليه أثبت من القلوب المنغمسة في
الدنيا ، المعرضة عن الآخرة .
وتحقيق هذه الطمأنينة يكون بالمحافظة على الفرائض ، واجتناب المعاصي التي لا تزال
تنخر في القلب حتى يسقط في أوديةٍ مُرديةٍ مُظلمةٍ وهو لا يشعر ، ثم بالإحسان إلى
الناس بالخُلُقِ الحسن والمعاملة الطيبة ، وبالحرص على تلاوة القرآن الكريم ،
والتعلق بكتاب الله عز وجل ، فقد قال الله عز وجل في وصفه : ( يَا أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )
يونس/57
، ومن ذلك أيضا المحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية ، كأذكار الصباح والمساء ،
وأذكار النوم والاستيقاظ والطعام ونحوها ، والله عز وجل يقول : ( الَّذِينَ
آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28
ثم لا بد أن يصحب ذلك كله تذلل القلب لله سبحانه ، واستشعار محبته وقربه ، والإخلاص
له في السر والعلن رجاء تحقيق العبودية التي هي سر النجاح والفلاح يوم القيامة .
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تعينك – إن شاء الله – على تحقيق العلاج الشرعي
، فانظر الأجوبة الآتية : (45847)
، (20130) ، (21515)
، (21677) ، (21843)
، (22704) ، (30901)
.
النوع الثاني : العلاج النفسي .
وذلك بالسعي لتخليص النفس من اضطرابها وقلقها ، ولن يتم لك ذلك – أخانا السائل –
إلا حين تؤمن إيمانا صادقا بضعة الدنيا وتفاهتها وصغر شأنها ، وأنها ( لو كانت تعدل
عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) ، فهي أحقر من أن يهتم المسلم
لما فقد منها أو يخاف على ما حَصَّلَ فيها ، وينبغي أن يصاحب ذلك القناعة التامة
بما قسم الله ، والرضى بقضائه وقدره ، فهي أسباب عزة المؤمن وسعادته ، وإدخال هذه
المعاني إلى النفس يحتاج إلى شيء من المجاهدة ، بتكرار الحديث مع النفس بها ،
وقراءة الكتب التي تقررها ، وتدبر آيات القرآن الكريم التي تفيض بتقريرها ، حتى
تغدو سجية في النفس لا تفارقها في حلها وترحالها .
النوع الثالث : العلاج السلوكي .
وهذا ما ينبغي أن تطلب فيه نصيحة الطبيب أو المستشار النفسي ، فإن بعض الجوانب
السلوكية أو الأسباب العضوية قد تخفى على الناس ، في حين يعرفها الطبيب الحاذق بما
علمه الله تعالى من شأن النفس البشرية ، فقد يجد لك علاجا في بعض الأطعمة التي
تساعد على النوم الصحي ، كما قد يكتشف في بعض العادات التي تمارسها أخطاء تؤدي إلى
القلق والأرق ، وفي الحالات المزمنة والمستعصية من الأرق يمكن للطبيب الاستعانة
بشيء من الأدوية المهدئة التي تخفف الضرر وتدفع الأذى .
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى متفرقات/الوساوس والأمراض
النفسية ) :
" إن هذه الحال التي قصها السائل قد تعرض لكثير من الشباب ، بسبب الإرهاق الفكري أو
البدني ، والدواء لذلك أن يعطي الإنسان نفسه من الراحة ما تستريح به ، وأن يكثر من
ذكر الله وقراءة القرآن ، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً ، وأن يلزم
الاستغفار ؛ لأن الاستغفار من أسباب حصول الخير واندفاع الشر ، وأن يحرص على مصاحبة
الأخيار من بني جنسه ، فإن الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن يبيعك
وإما أن تجد منه رائحة طيبة ، وليُعرض عن تذكر هذه الحال ؛ لأن تذكر الشيء ينتقل به
المتذكر من الخيال إلى الحقيقة ، فإذا أعرض عنه وتناساه فإنه بإذن الله يزول عنه "
انتهى .
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى ضعف ما رواه بعض أهل العلم من أذكار قبيل النوم للتخلص
من الأرق ، فقد عقد الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص/70) بابا قال فيه :
" باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم :
روينا في كتاب ابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :
( شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني ، فقال : " قل : اللهم غارت
النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، يا حي يا قيوم أهدئ
ليلي ، وأنم عيني ، فقلتها ، فأذهب الله عز وجل عني ما كنت أجد )
وروينا فيه عن محمد بن يحيى بن حبان - بفتح الحاء والباء الموحدة - أن خالد بن
الوليد رضي الله عنه أصابه أرق ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن
يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين
، وأن يحضرون " هذا حديث مرسل ، محمد بن يحيى : تابعي .
وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ، وضعفه الترمذي ، عن بريدة رضي الله عنه قال :
( شكا خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول
الله ! ما أنام الليل من الأرق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أويت إلى
فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلَّت ، ورب الأرضين وما أقلَّت ، ورب
الشياطين وما أضلَّت ، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو
أن يبغي علي ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، ولا إله إلا أنت ) "
انتهى .
وهذه أحاديث ضعيفة : حكم عليها أهل العلم بذلك ، كابن حجر في "نتائج الأفكار"
(3/114) وفي "المطالب العالية" (4/20) والألباني في "السلسلة الضعيفة" (2403)
وغيرهم .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
يعاني من الأرق |
يعاني من الأرق |
يعاني من الأرق |
يعاني من الأرق |
يعاني من الأرق |
يعاني من الأرق |