عنوان الفتوى : تكفير المعين وإطلاق القول بالتكفير
شيخنا الفاضل نعلم خطورة التكفير والكلام فيه وننقل لبعض الدعاة ذلك فيقولون نعم نحن نطلق على من يفعل الشرك أنه مشرك لكن لا نحكم عليه بالكفر إلا بعد قيام الحجة ولهم على ذلك نقول من كلام أئمة الدعوة النجدية، فنرجو بارك الله فيكم توضيح المسألة بأدلتها الشرعية، لأنها سببت فتنة كبيرة الآن على الساحة الإسلامية؟
خلاصة الفتوى:
التكفير حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله، وهناك فرق بين الإطلاق في الحكم فيقال من فعل كذا فهو كافر، وبين التعيين، فإطلاق القول بالتكفير لا يستلزم تكفير الشخص المعين، وتكفير المعين لا بد له من تحقق شروط وانتفاء موانع، وأما إطلاق القول على معين بأنه مشرك مع عدم تنزيل أحكام الكفر عليه فلم نجد أحداً من أهل العلم ذكر هذا التفريق في كتبهم، وما يقال في الكفر يقال في الشرك من حيث إطلاق اللفظ وتنزيل الأحكام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأعلم أولاً أن لفظ الشرك يدخل فيه الكفر، ولفظ الكفر يدخل فيه الشرك، وهما سواء من حيث إطلاق اللفظ وما يترتب عليهما من الأحكام، ولا شك أن التكفير حكم شرعي مرده إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس مرده إلى رغبات الناس وأهوائهم، فمن كفره الله تعالى في كتابه أو كفره رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فهو الكافر، والحكم على الشخص المعين بأنه كافر لا بد له من توفر شروط وانتفاء موانع، فقد يفعل المسلم عملاً كفرياً ولكن لا يحكم عليه بالكفر نظراً لوجود مانع كالإكراه أو الجهل أو التأويل ونحو ذلك، ولذا قرر أهل العلم أنه لا يحكم على مسلم معين بالكفر لمجرد عمل وقع فيه حتى تقام عليه الحجة التي يكفر مخالفها، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وأن الحكم على الفعل بأنه كفر لا يلزم منه كفر فاعله، وأقوال العلماء في بيان هذه الضوابط كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ... وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه وقد يتوب من فعل المحرم وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع..
وإن كان مراد السائل أن الدعاة المشار إليهم يقولون إننا نطلق على المعين بأنه مشرك أي يسمى مشركاً ولا ننزل عليه أحكام الكفر فهذا لا نعلم أحداً من أهل العلم قال به ولم نجده في كتبهم بعد البحث، بل نص العلماء على أنه لا يجوز أن يطلق لفظ الكفر على المعين حتى تتحقق الشروط وتنتفي الموانع، قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد: ...لا يجوز أن نطلق الكفر على شخص معين حتى يتبين شروط التكفير في حقه... انتهى مختصراً.
وجاء في الدرر السنية: ... فتأمل: كونه رحمه الله أطلق على هذا القول أنه كفر، ولم يتعرض لتكفير قائله، فافهم الفرق، لأن إطلاق الكفر على المعين الذي لم تقم عليه الحجة لا يجوز. فالمعروف عن أهل العلم أن إطلاق الكفر أو الشرك على شخص معين هذا يعني أنه كافر، وأما القول بأنه مشرك ولا تنزل عليه أحكام الشرك أو الكفر فلم نجده في كتبهم، وقد ذكرنا أقوال أهل العلم بشيء من التفصيل في الفتوى رقم: 721 حول ضوابط التكفير، والفتوى رقم: 12800 حول ماهية الكفر وعلى من يطلق، والفتوى رقم: 15255 حول مفهوم تكفير المعين وغير المعين.
والله أعلم.