عنوان الفتوى : أودع مالا عند شخص فاستثمره فطالبه المودِع بالربح
هل لأخي الحق في أخذ نصف مالي الذي كنت أرسله له بصفة أنه أمين عليه لحين رجوعي من الغربة طوال فترة عشرين سنة أو حتى جزء من المال بزعم أنه كان يديره، مع العلم بأنه قد سبق له وقال واعترف بيني وبينه أمام الله بأن هذا المال كاملاً من حقي ومن تعبي وغربتي وشقائي فى بلاد أوروبا من أعمال مضنية من بائع جرائد فى الشوارع فى البرد القارس إلى بائع ورود فى المقاهي وخلافه، أى بعد اعترافه بأنه مالي وليس له الحق فيه قد رجع في كلامه وقال إنني لي نصف المال، فما حكم الدين في هذا فأفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء وكثر من أمثالكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه القضية تحتمل وجهين:
الوجه الأول: أن يكون الأخ السائل أرسل ماله إلى أخيه ليحفظه عنده كوديعة إلى أن يعود من الغربة، فقام هذا الأخ بإدارة المال واستثماره بدون إذن من صاحبه في تجارة ونحوها ويريد أن يأخذ ربح هذه الوديعة مقابل استثماره لها فهل له ذلك؟
جاء في المنتقى شرح الموطأ: قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: إذا استودع الرجل مالاً فابتاع به لنفسه وربح فيه فإن ذلك الربح له لأنه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه. انتهى.
وذهب الحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أنه إن اتجر في الوديعة فالربح للمالك، جاء في الإنصاف: لو اتجر بالوديعة فالربح للمالك على الصحيح من المذهب... ونقل حنبل: ليس لواحد منهما ويتصدق به، قال الحارثي: وهذا من الإمام أحمد مقتض لبطلان العقد، وذلك وفق المذهب المختار في تصرف الغاصب وهو أقوى. انتهى.
وعلى هذا الاحتمال فيجب أولاً رد رأس المال المودع فوراً، والمطالبة بنصفه أو شيء منه غصب وظلم واضح، فإذا رد رأس المال نُظر في الربح وهو ما زاد على رأس المال، فالمذهب الذي نختاره أنه لصاحب الوديعة لأن تصرف المودع فيها تصرف الغاصب، وهذا المال أرسله المودع ليحفظه لا ليتاجر به، وإذا أخذ برأي المالكية فالمسألة محتملة.
الاحتمال الثاني: أن يكون هذا الأخ المغترب وكَّلَ أخاه في التصرف في ماله بالشراء والبيع ونحو ذلك من التصرفات، ويريد الوكيل أخذ أجرة على هذه الوكالة، فهنا ينظر في الأمر.. فإن كان اشترط أجراً معلوماً يوم وكله الوكيل فله هذا الأجر المعلوم كثيراً كان أو قليلاً، أما إذا لم يشترط أجراً معلوماً وفعل ذلك على وجه التبرع صراحة فليس له شيء، أما إذا لم يصرح بالتبرع ولا بالأجر، وإنما سكت فهنا ينظر في العرف..
جاء في درر الحكام: ... لكن إذا لم يشترط في الوكالة أجرة ولم يكن الوكيل ممن يخدم بالأجرة كان متبرعاً وليس له أن يطلب أجرة، أما إن كان ممن يخدم بالأجرة يأخذ أجر المثل ولو لم تشترط له أجرة.
وعليه.. ففي حالة صرح الأخ لأخيه أنه لا يريد أجراً على الوكالة فلا يحل له الأخذ إلا أن تطيب نفس الموكل بشيء يدفعه إليه، وإذا لم يصرح وكان العرف في بلدك أن الأخ لا يأخذ شيئاً مقابل هذا العمل فلا يحل له أيضاً أخذ شيء لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وإن كان العرف يعطي مثله أجرة على عمله فيحق له أن يأخذ أجرة مثله فقط.
والله أعلم.