عنوان الفتوى : تحريم مصافحة المرأة الأجنبية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية إسلامية مباركة وبعد إنني أعلم منذ فترة طويلة أن مصافحة المرأة الأجنبية حرام ويوجد حديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعناه :لأن يضع أحدكم في يده جمرة من نار خير له من مصافحة امرأة . ولكن قد أخبرت أنه في بيعة الرضوان والله أعلم وعندما بايع الرسول الكريم الصحابة جاءت النساء لمبايعته فرفض عليه السلام المبايعة باليد وهنا قال أحد الصحابة – والذي لا أعرف اسمه – إنني أنا أصافحهم يا رسول الله فلم يعترض عليه الصلاة والسلام على ذلك، ومن هنا يرى بعض العلماء أن حرمة المصافحة كانت خاصة بالرسول الكريم ، أما باقي المسلمين فلا حرمة في ذلك أرجو إفادتي من علم الله الذي وهبكم إياه ، ومدى صحة الرواية السابقة وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصافحة النساء لا تخلو من أحد أمرين: 1ـ أن يصافح الرجل محارمه فلا حرج فيه، لما روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل فاطمة رضي الله عنها وتقبله إذا دخل عليها.
وإذا كان لمس المحارم على النحو المذكور جائزا فإن المصافحة نوع من اللمس ، فتكون جائزة في حق المحارم، ويشملها حكم الاستحباب الذي استفيد مما تقدم .
2ـ أن يصافح النساء من غير محارمه: فإن كانت المرأة عجوزا فانية لا تشتهي ولا تشتهى فهو جائز ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين، ولأن الحرمة لخوف الفتنة، فإذا كان أحد المتصافحين ممن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر، ومنع الشافعية من مصافحة مثل هذه لعموم الأدلة ولم يستثنوا.
وإن كانت المرأة شابة فقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحتها، وقالت الحنابلة منهم: سواء كانت المصافحة من وراء حائل أو لا. فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. ولا شك في أن المصافحة من المس . وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: "قد بايعتكن كلاما".
قال النووي رحمه الله : وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، ولا يجوز مسها. انتهى.
أما قولك إنك أخبرت أنه في بيعة الرضوان ـ والله أعلم ـ وعندما بايع الرسول الكريم الصحابة: جاءت النساء لمبايعته فرفض عليه السلام المبايعة باليد، وهنا قال أحد الصحابة: إنني أصافحهن يا رسول الله، فلم يعترض عليه الصلاة والسلام على ذلك … إلخ.
فالجواب عنه أن يقال: هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد القرطبي في تفسير سورة الممتحنة آية (12) عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقام على الباب وسلّم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكن، قالت: فقلنا: مرحباً برسول الله، وبرسولِ رسولِ الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين، قالت: فقلنا: نعم، قالت: (فمدّ يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد) فهذا كلام أم عطية ـ رضي الله عنها ـ وليس فيه ما يدل على المصافحة ولا على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، وقد رّد الحافظ ابن حجر هذا الأثر مستدلاً بحديث عائشة رضي الله عنها لما قالت: لا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة. فقال: وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. انظر: فتح الباري (8/488).
والأثر على فرض صحته يمكن أن يجاب عنه بأن مد الأيدي من وراء حجاب فيه إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة.
قال الشيخ الألباني عن هذه الروايات في مصافحة النساء في البيعة: وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها. (سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/65) دار المعارف).
أما قول البعض (إن حرمة المصافحة كانت خاصة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أما باقي المسلمين فلا حرمة في ذلك). فالجواب عنه إن هذه الدعوى يبطلها تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من مس النساء التي لا تحل حيث يقول: "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
فقوله: (في رأس أحدكم) دليل على أنه يخاطب أمته. كيف وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحة الشابة الأجنبية كما تقدم.
وأما قول القائل: جاءت النساء للمبايعة في بيعة الرضوان، فالصواب أن ذلك في بيعة النساء عام الفتح.
والله أعلم.